رجوعا إلى المدونة الإسلامية، لا نجد تراثا ثريا في المجال الاجتماعي، خارج الفتاوى وغيرها من اساليب التاصيل الشرعي. لذلك احتلت المسألة الإيمانية سواء كانت العقيدة أو مقارعة الطاغوت، في علاقة بما هو "التمكين" فرض عين مسالة مركزية، غابت وتراجعت أمامها بل هانت المسائل الاخرى…
كذلك (في ما يخص تونس على الاقل)، ومنذ تاصيل الدولة القطرية (أي الدولة الحفصية) قامت منظومة الحكم من خلال وعبر الصراع "الافقي" اي مع طالبي الحكم ومنازعي السلطان.
تتالت الانظمة وتوالت السلطات، ولم يفكر احد في حاجيات العمق الشعبي خارج جدلية "الطاعة الواجبة" من خلال العصا والحديد والنار.
عند هذا المستوى لا يختلف أبو زكرياء الحفصي عن مراد بوبالة، عن بايات الدولة الحسينية، عن بورقيبة، عن بن علي، عن الباجي، عن الغنوشي، سوى على مستوى أمور شكلية وأساليب تخريج الفعل السياسي…
إن كان الحكم منذ تأسيس الدولة الحفصية إلى 14 جانفي ينظر بطريقة او بأخرى لما قال الباجي أنها "هيبة الدولة" على حساب "كرامة المواطن" فإن دولة "ما بعد 14جانفي" مجبرة خطابا وممارسة على النظر بعين الحذر إلى "العمق الشعبي" الذي شكل (دون الاحزاب) الوقود الذي اشعل الثورة.
لا خطاب عن "العفو عن فسّاد نظام بن علي" قادر مهما كانت نوايا الغنوشي، على افهام سكّان سيدي حسين السيجومي أن دمّ ابنهم ارخص (لدى الاعلام وأهل السياسة) من دموع احمد فريعة…
من تراكمات جرائم الدولة القطرية طوال قرون وكسرها لأمل جاءت به الثورة، سيأتي عنف لن يميّز بين لباقة الغنوشي أو دموع فريعة…