ڤيكتور هيغو، هيغل، جول فيري و الأجناس المتفوّقة

" هيّا أيّها النّاس،استولوا على هذه الأرض، احصلوا عليها،لمن تعود ملكيّتها؟ إنّها ليست ملكا لأحد،اذهبوا و احصلوا على هذه الأرض لأجل الربّ، إنّه هو الّذي يهب الأرض للنّاس، و الربّ أهدى افريقيا لأوروبّا" تخيّلوا من قائل هذه الكلمات،ذات مرّة من أعلى منبر مجلس الشّيوخ الفرنسي سنة 1879؟

و تخيّلوا أنّ نفس الشخص قال فيما سبق:"الرّجل الأبيض صنع من الأسود إنسانا في القرن 19، و بالطّريقة نفسها، فإنّ أوروبّا ستصنع من افريقيا عالما في القرن20".

و تخيّلوا أنّ نفس الشخص هو من قال:" حرّروا الحرّية، و الحرّية تقوم بالباقي " و "من يفتح باب مدرسة يغلق باب سجن"و هو من كتب الرّائعتين الخالدتين "البؤساء" و "نوتر دام دي باري".

هل أتى بخلدك أنّ تلك المقولات العنصريّة المنظّرة للاستعمار التوسّعي قد خرجت من فيه الأديب الشاعر الرّومانسي،أيقونة الثقافة الفرنسية و رمز فضيلتها و التزامها الأخلاقي، ڤيكتور هيغو؟ إذا كانت تلك هي عبارات الرّومانسية فلا عجب في خطابات جول فيري الواقعيّة و السّياسية البراغماتيّة الفجّة!

جول فيري (1832_1893) الدّبلوماسي المحامي اليساري الصّحفي، واضع مناهج التّعليم الفرنسي الحديث، وزير الثّقافة و الفنون الجميلة ورئيس مجلس الوزراء (1880_1881) ،عمدة باريس و عضو الجمعيّة الوطنيّة و مجلس الشّيوخ الفرنسي لفترات متلاحقة، كان مهندس و منظّر الحركة الاستعمارية الفرنسية التوسّعية و هو من قال:

"يجب أن نقول صراحة إنّ الأجناس المتفوّقة لها في الواقع، الحقّ في مواجهة الأجناس الدّنيا،هناك حقّ للأعراق المتفوّقة لأنّ هناك واجبا، واجبهم في نقل الحضارة إلى الأعراق الدّنيا".

جول فيري الّذي أقيم له احتفال ماسوني مهيب في باريس بمناسبة انضمامه للمحفل،كان يتبنّى مقولة أنّ الأجناس أو الشّعوب السّامية تتمتّع بواجب الوصاية و الرّعاية للشّعوب البدائيّة المستعمرة و أنّ الشّعوب الأولى تضطلع بدور تحضير و تأهيل الشّعوب الثّانية،و من واجب السّلالات المتفوّقة تثقيف الأجناس الدّنيا، أمّا مقولة "حرّية،مساواة،أخوّة" فهي لم تنشأ و لا تصلح للشّعوب المولى عليهم، و هو متّسق تماما مع ما قاله جان جاك روسو قبل مائة عام من ذاك التّاريخ حين حصر نظريّاته التّنويرية و المؤسّسة للعقد الاجتماعي و وضعها في سلّة سلالة الرّجل الأوروبّي الأبيض،فالعقد الاجتماعي كما قال هو حصريّا للبيض فقط و أنّ كلّ من هم ليسوا من البيض لن يكونوا طرفا فيه.

لم تكن تلك مقولات استثنائية تقال بصوت خافت أو بخجل بل كانت هي السّائدة و الّتي تكتب و تصاغ نظريّات و تنطق بكلّ تبجّج و صفاقة في العلن.

كان ذلك هو الخطاب المعرفي للرّجل الأوروبّي الأبيض الموصوف بالتفوّق ،فسلوك الهيمنة و السّيطرة و التوسّع الّذي انتهجته أوروبّا حينها لنهب الشعوب و استغلالها و ابادة بعضها،كان لا بدّ له من هذا الغطاء و التّبرير(وفق مفهوم ميشيل فوكو للخطاب و حاجة السّلطة له في طور تشكّلها).

يقول ديفيد هيوم:" أنا على استعداد للاشتباه أنّ جميع الأنواع الأخرى هم بطبيعة الحال أدنى من الأبيض، و لم تكن هناك أمّة متحضّرة من أيّ نوع جديرة بالذّكر سوى البيض".

أمّا صاحب كتاب نقد العقل المحض و واضع فلسفة"الأخلاق" ايمانويل كانط فمن أقواله:"ميّال إلى الظنّ بأنّ الزّنوج متدنّون بشكل طبيعي عن البيض،فنادرا ما سمعنا عن أمّة متحضّرة تنتمي لهذه السّيرة،و لا حتّى فرد بارز في نطاق العقل و التأمّل العقلي،و ليس ثمّة صنّاع مبدعون و لا فنون و لا علوم".

و يؤكّد ذلك منظّر التّاريخ هيغل متماهيا مع كانط حين يجزم بأنّ " الفروقات بين الأعراق أساسيّة و يظهر الفرق الكبير بوضوح في تفاوت القدرات العالية بقدر ما هو واضح في لون البشرة،و بذلك فإنّ عبارة مثل هذا الرّجل أسود من رأسه حتّى إخمص قدميه، تعطي تفسيرا منطقيّا لوصفنا للرّجل الأسود بالغباء و الجهل"

هيغل أرسى معالم مركزية أوروبّية متعالية قارّة و أباح الاستعمار و برّره و كتب و فسّر التّاريخ بذاته الأوروبّية المتضخّمة و اختزل كلّ تاريخ الإنسانية في أوروبّا حيث منها ابتدأ و فيها ينتهي كروح مطلقة.

نظرة فوقيّة و استعلاء و نفي للمختلف الآخر و انكار لإسهاماته الحضارية، و شكل من أشكال الإقصاء و الإبادة.

فهو و غيره من رسل التّنوير الأوروبّي أسّسوا لخطاب فلسفي عنصري و لثقافة النّفي و الإقصاء و الإبادة، الإبادة الحضارية بكلّ أشكالها لأجل ما يرونه نشرا لحضارتهم التّنويرية لإنقاذ "أسرى الشّيطان و أصحاب العقول الطّفولية من أنفسهم و من حياتهم البائسة".

إبادة مادّية و معنويّة صادرت كلّ العقول لأجل عقل الأوربّي الأبيض المتفوّق المتمركز حول ذاته،عقل غربي احتلالي عنصري أسّس حضارة قامت على التحيّز و الاستغلال و النّظرة الدّونية لكلّ المختلف الآخر.

العقلية الصّهيونية ليست الّا وليدة ذاك العقل الأمّ، و ثقافة الإبادة الّتي يمارسها ليست الّا صورة مصغّرة للثّقافة الأمّ و قد مورست سابقا في الأراضي المكتشفة مثل الأمريكيّتين و أستراليا و غيرها فكان هيغل لا يخفي سعادته بإبادة السكّان الأصليين الهمّج من يضعهم في أسفل قائمة ترتيبه السّلالي العنصري للبشر،إذ يضع العرق الأبيض على رأس الهرم و هو المتّصف بجميع المواهب و الإمكانيات ،ثمّ يأتي بعدهم الهنود من يرى أنّهم يفتقدون للتّجريد و التّطوير، ثمّ الزّنوج من يعتبرهم عاجزين عن التّعليم لكن لهم قابليّة للتّلقين بالعنف غير المميت و أخيرا سكان أمريكا الأصليّين.

و لسخرية الأقدار أن لا نجد لأنفسنا نحن العرب ذكرا في تصنيفاتهم باستثناء بعض التّلميحات بوصفنا بالبربر المتخلّفين و هو ما دفعهم للتطوّع و استدعاء أنفسهم لخدمتنا من أجل تمديننا و تحضيرنا و تنويرنا و تحديثنا ،و الرّافض لهذه الحركة التوسّعية الاستيطانية هو محبّ للظّلام كاره لأنوارهم ،ناكر للجميل وشرّير من اتباع الشّيطان الواجب رجمه.

أليست هي تلك دوافع زرع الكيان الصّهيوني الخبيث كحصن "حضاري" دفاعي متقدّم وسط صحراء البرابرة الهمّج و أليست تلك مقولات هرتزل و النتن ياهو من يضع عنوانا لجرائمه باسم الدّفاع عن التحضّر و النّور في مواجهة التخلّف و الظّلمة؟

سئل جول فيري ذات مرّة عن أهدافه فقال:" هدفي هو تنظيم إنسانية بدون إله و بدون ملك"

و بالطّبع فإنّ إنسانيتهم المتخيّلة لن تغادر حدود إنسانهم المتمركز حول ذاته المتورّمة،تماما ككلّ قيمهم الّتي يدّعونها،واذا كانت غايتهم ذاك الإنسان العاقل الكامل الّذي لا يحتاج لإله و لا ملك،فإنّ الآخر المختلف المصنّف دون إنسانهم يحتاج للرّعاية و الوصاية و التوجيه و هم المؤهّلون للقيام بذلك و سيكونون إلاههم و ملكهم،و سينصّبون آلهة تمثّلهم و يشيّدون المعابد و يعيّنون الحرس و السّدنة و يكافئون المتديّنين و يعاقبون الكافرين الرّافضين لسرديّاتهم الكاذبة.

لاشكّ أنّ طوفان الأقصى ثمّ الثّورة السورية قد اسقطت عنهم ورقة التّوت و عرّتهم بالكامل و قد كشفت زيف تلك العناوين البرّاقة الكبيرة الّتي باسمها كانوا و لا يزالوا يمارسون جرائم إبادتهم المعنوية و المادّية.

طوفان الأقصى ليس إلّا ردّة فعل مباشرة لكلّ هذا العنف الابتسمولوجي و هو حركة تاريخ طبيعية مصحّحة للرّؤية الهيغلية للتاريخ الّتي تجعل روحها المطلقة في ذات الإنسان الأبيض الأوروبي المتفوّق،و هي دعوة للانخراط في حركة مقاومة كونيّة و العصيان المعرفي للتحرّر و الانعتاق و التخلّي عن الدّوران حول محور الاورو_أمريكي_ الصهيوني المتمركز حول ذاته و النّافي و المبيد للمختلف الآخر،من أجل مساهمة فعّالة و نشيطة في كونيّة المعارف.

طوفان الأقصى ليس سوى نفي لأطروحة هيغل من أجل تحقّق توليفة الإنسانية الحقّة.

Poster commentaire - أضف تعليقا

أي تعليق مسيء خارجا عن حدود الأخلاق ولا علاقة له بالمقال سيتم حذفه
Tout commentaire injurieux et sans rapport avec l'article sera supprimé.

Commentaires - تعليقات
Pas de commentaires - لا توجد تعليقات