"آمل أن تتعلّم إنسانيّتنا الدّرس المطلوب من هذا"

كنت أتحسّس رأسي لأتأكّد بأنّه لم يتربّع كما وصفه صديقي و نحن نتجادل حول ما يجري في الولايات المتّحدة الأمريكية من حرائق و هل هي كوارث طبيعيّة أم عقوبة إلهيّة.

جدال قديم حديث نشط هذه الأيّام لم يخل منه أيّ زمان، علاقة الإنسان بالطّبيعة و بماوراء الطّبيعة، و تلك الأسئلة الّتي لم تحسم أجوبتها إلى حدّ الآن.

جدل أثير و يثار حول المعايير العلميّة "المشهودة" و تلك الإيمانية الغيبيّة،لم يترك لي صديقي الفرصة لأستعرض له ما قاله هيدغر في العلم الّذي لا يفكّر ،العلم الّذي لا يتجاوز حدود ما هو موجود أي حدود ما يراه و ما يدركه ، و لا ما لم يطرحه في كتابه "مدخل الى الميتافيزيقا" أي سؤال الرّوح كما بيّن ذلك دريدا ، و لم يمنحني المجال لأحيله الى ما قاله إدغار موران حول عصر الهمجيّة و الانحطاط الّتي تعيشه الإنسانيّة حاليا.

صديقي الحداثي المثقّف المستنير المؤمن بالعقل و المنهج الكانطي و رؤية هيغل للتّاريخ لا يستسيغ أيّة رؤية أخرى و قد لا يتقبّل أن تفيده بأنّ مؤسّس العقل النّقدي لم يكن سوى الغزالي الّذي أقرّ في النّهاية بأنّه آمن ايمان العجائز بعد النّور الّذي قذفه اللّه في صدره!

صديقي كال لي التّهم جزافا و جعلني و أمثالي من السذّج الجاهلين البسطاء و الوثوقييّن من أسباب تخلّف "الأمّة" و انحطاطها و ربّما سبب الحربين العالميّتين و ثقب الأوزون و الانحباس الحراري و كلّ الأزمات الّتي حصلت و الّتي ستحصل، صديقي أخرجني من دائرة الأخلاق و مجال الإنسانية لمجرّد أن دعوت على من أحرقوا قلبي و جرّدوني من الإنسانية!

صديقي اعتبرني درويشا يتهرّب عبر الدّعاء من استحقاقات المسؤولية.

صديقي لم يمهلني لحظة لأبيّن له أنّه مخطئ في العنوان فلست ذاك الفيلسوف المفكّر المؤثّر أو العالم المتفقّه أو الخبير المتمكّن ،لست ملاكا و لا نبيّا مثل سليمان، لست و لسنا سوى ذاك الإنسان،الّذي قد يصيب و يخطئ فيما يصدر منه من تقاييم و أحكام.

صديقي لم يسمعني حينما تمتمت بأنّه لا يمكن الجزم بالحكم القطعي على تدابير الخالق الرّحمان، عقوبة حادثة أو كارثة عارضة فذاك من علمه فلا نستطيع أن نجزم بمراد اللّه في أقداره و لا يمكننا أن نسبقه بالقول أو أن نقول باسمه ما لم يقله كما لا يمكننا أن نملي على من يملي و لا يملى عليه.

ما يصدر من بعضنا من أحكام هي مجرّد قراءات و تأويلات و تفاعلات من ذواتنا ستبقى نسبية و لا يمكن إطلاقها،ففي النّهاية نحن مطالبون بالتفكّر و التدبّر و استخلاص العبر و المواعظ من الحوادث الّتي تحصل لنا أو حولنا،و تعبيرنا عن فرحنا أو سرورنا عمّا يحصل من شرّ لمن نعتقد أنّه ضالع في الشرّ،و تقييمنا بأنّ ما يحصل له هو عقوبة هو إحدى الميكانزمات الدفاعية الّتي تحمي المنظومة المعيارية و الّتي تضع ما يقوم به المتشمّت فيه هو شرّ و العقوبة هي ردع لنا بعدم ارتكاب مثيله،و قد يكون ارتياح الأنفس و سرورها بما يصيب المستحقّ من ضرر و شرور مطلوب و هو من باب نصرة الحقّ و العدل و أخذ على يد الظّالم و شفاء صدور المظلومين.

من أشعل تلك النّار الحارقة و أذكى لهيبها و جعلها ترقص رقصة الذّئاب مع تلك الرّياح العاتية لتطوف على قصورهم و تحوّلها إلى صريم و أعجاز نخل خاوية؟

أين ذهبت أموالهم و قوّتهم و عظمتهم و هم يقفون عاجزين عن فعل أيّ شيء؟

ألم يهدّد قبل الكارثة ذاك المنتفخ الأشقر الأرعن غزّة و الشرق الأوسط بالجحيم ليشاهد بأمّ عينيه معنى الجحيم؟

أين تلك الضّحكات على تعليق المنشّطة الّتي تفتخر بالمدينة الّتي ليس فيها إله؟

و لماذا يتباكى ذاك المتصهين و هو يرى قصره يتحوّل الى رماد و قد دعا فيما سبق الى قتل أطفال غزّة و احراق منازلهم ؟

من أشعل تلك النّيران؟ بالطّبع أمريكا هي من أشعلتها و هي تحصد شرور أعمالها منذ عقود و لا بدّ لمن يشعل النّيران أن يكتوي بها و لو بعد حين.

ليس كلّ من يشعر بأنّ ما يحصل لأمريكا أو لأيّ كيان ظالم من ضرر أو شرّ هو عقوبة هو بالضّرورة مسلم أو مؤمن، لأنّ حقيقة ذاك الشعور يخرج عن المعايير الإيمانية و يمسّ الفطرة، فقد تجد طاويّا أو هندوسيّا أو لادينيا من يراها كذلك،و قد يكون صينيا أو يابانيا أو افريقيا أو فيتناميا أو عربيا أو من كوريا أو من روسياأو من أمريكا اللّاتينية أو حتّى من أمريكا ذاتها، حفيد شيخ هندي ذبح على تلّ نفس الجبل الّذي احترق و أبيد أمثاله بالملايين،أو صديق جورج فلويد الّذي مات مختنقا تحت ركبة الشرطي العنصري و هو يصيح"لا أستطيع التنفّس" أو ضحايا مجتمع الرّأس مال المتوحّش في مدن القصدير أو حتّى بعض من المشاهير فهذه هايدي مونتاڨ تقول :" حرائق أمريكا سببها ما فعلته حكومتنا في البشر".

لتضيف الممثّلة تايلور سويفت :"حرائق أمريكا عقوبة من اللّه لما فعلناه في غزّة"

وليختم السناتور بيرني ساندرز بالقول:" الآن أنا و أنت نفكّر بعمق، هل هذا عقاب ربّاني؟

هل هي نار ربّانية تلهبها شرارة طيور الأبابيل الّتي يؤمن بها المسلمون و ذكرها كتابهم المقدّس؟

نعم لو سألتني عن هذا الموقف فهذا الموقف عقاب عظيم من اللّه.

آمل أن تتعلّم إنسانيّتنا الدّرس المطلوب من هذا".

Poster commentaire - أضف تعليقا

أي تعليق مسيء خارجا عن حدود الأخلاق ولا علاقة له بالمقال سيتم حذفه
Tout commentaire injurieux et sans rapport avec l'article sera supprimé.

Commentaires - تعليقات
Pas de commentaires - لا توجد تعليقات