أربعة و خمسون عاما من حكم الفرد الواحد و الصّوت الواحد و الزّعيم الملهم الواحد،أربعة و خمسون عاما من الظّلم و القمع و التسلّط و الاستبداد، أربعة و خمسون عاما من التّفقير و التّهميش و السّرقة و النّهب، أربعة و خمسون عاما من التّدمير الممنهج للإنسان و التفنّن في تعذيبه و إذلاله، أربعة و خمسون عاما من الإجرام و القتل و التّهجير،أربعة و خمسون عاما من بيانات الطّنين و الشّجب و التنديد،أربعة و خمسون عاما من الكذب و الدّجل و التّضليل،أربعة و خمسون عاما لم تطلق رصاصة واحدة تجاه عدوّ لتحتفظ و توجّه الرّصاصات تجاه شعب أعزل.
أربعة و خمسون عاما و جوقة من المطبّلين و أشباه الفنّانين و الانتهازيين المنتفعين و الزّناة بالكلمة و الدّين،يرقصون على الجثت و يعزفون و يردحون.
و في ظرف أربعة و خمسين ثانية بعد هروب رأس منظومة الأربعة و خمسين عاما،تحوّلت هذه السّحليات الحرباوية الحلزونية الى حملان وديعة تلتمس العفو ،و بعد أربعة و خمسين دقيقة استعادت حبالها الصّوتية نشاطها لتنطق كما البشر و بعد أربعة و خمسين ساعة صارت تمشي على قدمين و تتظاهر و بعد أربعة و خمسين يوما ربّما ستنتشر و تتكاثر و قد تتحوّل بعد أربعة و خمسين شهرا إلى أسود ثورية تفترس من ثاروا و تعيد المزرعة إلى صورتها الّتي اعتادت عليها.
منظومة الأربعة و خمسون هذه موجودة في كلّ أرجاء وطننا العربي،شاهدناها سابقا في تونس منبع ثورات الرّبيع العربي و في مصر كذلك،تشتغل بنفس العقل و نفس الميكانزمات لفائدة نفس المشغّل بهدف تأبيد الاستبداد و التخلّف و كأنّه قضاء و قدر لا يمكن تغييره.
في تونس بعد أربعة و خمسين عاما من حكم الفرد الواحد و الحزب الواحد و سنينا من التّنمية في الفشل تهافت الجميع لأجل الحصول على ما لم يحصلوا عليه طوال تلك السّنين و امتدّت أيادي الخارج لخنق تجربة وجدت نفسها يتيمة تتلقّى الضّربات من كلّ جانب و من الدّاخل و الخارج لتكون عبرة لمن يخاطر يوما لمجرّد التفكير في التغيير.
و في مصر وقع تقريبا نفس الشّيء مع بعض الاختلاف في التّفاصيل.
و في سوريا يحاولون اعادة نفس التّجربة و قد تطوّع بعض أصحاب التّجربة بإسداء المشورة و النّصيحة لمنظومة الأربعة و خمسين حتّى تنهض و تستعيد السّيطرة و القيادة لأجل حقبة أربعة و خمسين أخرى.
لا أدري ما سرّ ولعهم بهذا الرّقم السّحري و السّيسي مثلا المولود سنة أربعة و خمسون بعد التسعمائة و ألف ، سنة إنقلاب عبد النّاصر على محمّد نجيب، و الّذي إنقلب على الرّئيس الشهيد الشرعي محمّد مرسي يجعلك تشعر أنّه يخطّط لأن يبقى هو و ابنه محمود لمدّة أربعة و خمسين عاما،أليس هو ملك مصر و الأنهار تجري من تحته؟ أليس هو فرعون و موسى في نفس الوقت؟ أليس هو كما ادّعى الملك سليمان الّذي لم يعرف الجنّ أنّه مات إلّا بعد أن أكل النّمل منسأته؟
ما المانع في أن تستريح مؤخّرة حاكمنا العربي على كرسيّها أو أن تورثها لمن يحمل نفس الجينات نهجا أو سلالة لمدّة أربعة و خمسين عاما؟
دعكم من الدّيمقراطية، و الحرّية و العدالة و المساواة و المواطنة و المشاركة و كلّ تلك القيم"الكونية" الّتي يحتفظ بها الغرب الأناني المنافق المتمركز حول ذاته، لنفسه و داخل حدوده ، ليهرع عند كلّ تهديد يواجهه وكلاؤه الوظيفيون و هو يتساءل عن حرّية تعاطي الكحول و اللّباس و طريقة التصرّف في المقدّمات و المؤخّرات و الرّقص على أسطوانة الأقلّيات،سنكون نحن من لم نهتمّ لشؤوننا من آخر اهتماماتهم و مجرّد أرقام صفرية في معادلاتهم.
قضيت أربعة و خمسين دقيقة لكتابة ما سبق من الكلمات و كنت انتقي تلك الكلمات مخافة الوقوع في شراك المنشور 54 و أنا استمع لمن يهرف بأنّ من سخّر نفسه لخدمتنا قد يبقى ساهرا لمدّة أربعة و خمسين ساعة ،قيلت في صالح ثمود و لم تقلها السّحرة في فرعون مصر!
فعرّاب الانقلاب محمّد حسنين هيكل ادّعى بأنّ السّيسي لا ينام سوى ساعتين في اليوم و اتّبعته في ذلك كلّ جوقة التّطبيل و لم تزايد عليه، فما بالك لمن يدّعي بأنّ هناك من لا ينام طيلة أربعة و خمسين ساعة و ماذا سيقدّمه خلال السّاعات الأخيرة أو بعدها و قد يوصله الحرمان من الرّاحة و النّوم طيلة تلك المدّة إلى فقدان السّيطرة على عقله و التّركيز و فوضى الهرمونات و تشنّجات القلب و الهذيان و حتّى الموت،خصوصا لمن تجاوز مثلنا سنّ الرّابعة و الخمسين!
تبّا للعلوم و المنطق،و للظّروف الّتي جعلت الحرباويات و الحلزونات و الجراد و الفطريات تتصدّر المشهد و تنطق،و تبّا لنا جميعا من أضعنا الفرصة و أتحنا و مهّدنا و مكّنّا لعودة مثل هذه المنظومة، منظومة الأربعة و خمسين.