"المسافة صفر" مصطلحٌ مسجّلٌ لفائدة مقاومي غزّة لا يمكن لأحد كائنًا مَن كان أن يسطوَ عليه أو يتبنّاه ما عاشت البشريّة.
"المسافة صفر" مصطلحٌ مشحونٌ بما شُحِنتْ به قلوب شبّانٍ مجاهدين أشاوس أسقطوا صنَم "أقوى الجيوش" الذي نحتتْه حكوماتٌ عربيّة بعساكرها النّظاميّة التي لم تحتجْ منه غير ستّة أيّام ليفتكّ أرضها ويركّع أنظمتها السّياسيّة ويشغلها بالتّفنّن في تعذيب شعوبها.
بعد ما يقارب الأربعمائة والخمسين يومًا من "طوفان الأقصى" المبارك وما أظهره أحرارُ غزّة من بطولات في ساحة المعارك الدّائرة على مُضغة الأرض العربيّة الباسلة ضدّ جيش دونكيشوتيّ استنفرت حكومتُه الأسوأُ في تاريخ الكيان اللّقيط جيوشا وأسلحة واستخبارات غربيّة من أعلى طراز، يَنزل شبابُ المقاومة إلى استخدام السّكّين مع البطّ العسكريّ الصّهيونيّ المدفوع بسياسة رعناء إلى محرقةٍ غير منتظَرة !
لا أعتقد أنّ النّزول إلى استخدام السّلاح الأبيض دليلَ نفاد الأسلحة المعتادة في الحروب العصريّة، فمهندسو الطّوفان وما يحتاجه ما بعده ليسوا أغبياء إلى درجة إطلاق حربٍ على عدوّ مجهَّز ومسنود دون تجهيزِ ما تحتاجه المعركة من سلاح غزير لمواجهةٍ هم واعون حتما باستطالتها.
لا أعتقد ذلك بقدر ما أعتقد أنّ وراء الأمر تفسيريْن:
أوّلهما قوّةُ إرادة جبّارةٍ وصلابةُ إيمانٍ وشجاعةٌ قاهرةٌ لم تستقرّ في غير قلوب أطفال الأمس شباب اليوم خرّيجي مدرسة الشّيخ ياسين ومَن تلاه من قيادات تقيّة نقيّة ذكيّة يستكمل لاحقُها سابقَها الطّريقَ كأحسن ما يكون. وثانيهما أنّ جيش العدوّ على ما يملك من عتاد وآليّات يفتقر إلى قضيّة طبيعيّة تسكن قلوب أفراده تزرع فيهم ما يحتاجه المقاتِلُ من عزْم وحميّة، فلقد رأينا بأمّهات أعيننا ما الذي يعانونه من رعب وخوف وهلع، وما الذي يمارسونه من شذوذٍ واغتصاب للمجنّدين والمجنّدات القادمين والقادمات من شتّى أصقاع الأرض وما الذي يفعلونه مع لباس الحريم الفلسطينيّ المتروك في البيوت المهجورة أمام كاميراهات هواتفهم الجوّالة وينقلونه بنشوة مَرَضيّة إلى العالم بغباء لا نظير له.
غفر اللّه "للممانعين" الذين صوّروا لنا الهرَّ أسدًا عُقودا مريرة من زمان هزيمتنا الطّويلة المخجِلة التي حاول صُنّاعُها أن يزيّفوها بخطاباتٍ في القُمَم العربيّة عاليةِ السّقف بفضل ترخيص صهيونيّ مُسبق أو عملٍ دراميٍّ كاذب تُنفَق في سبيله أموالُ الشّعوب الجائعة المكتومة أنفاسُها... وشدَّ أزْرَ مقاومةٍ يتسابق أفرادُها نحو شهادة تحْدوهم إليها الآية الكريمة: " ولا تحسبنّ الذين قُتِلوا في سبيل الله أموتا بل أحياءٌ عند ربّهم يُرزقون".
لماذا السّكّين؟ سؤالٌ جوابُه باختصار شديد: القُبّرةُ لا تحتاج رصاصةً. الفخُّ يكفيها !