ما أشبهَ تهمة "التّنكّر لمدنيّة الدّولة" بتهمة "معاداة السّاميّة" من حيث المبتدأُ والخبرُ أو المنطلق والمآل! وما أشبه ماركتَيْهما المسجّلة !

في معمل واحد بعيدٍ وُلدَتَا، وبنفس العقول خُطّط لهما، وبنفس الأيدي صُنعتا، ولنفس الغرَض أُوجِدَتَا، وبألسنة نُخَبِ النّخْبِ الطِّوالِ المأجورة التي تشاركنا العيش ثُّبِّتَتا…

لا يختلف اثنان أنّ الثّانية مُرادُها الالتفافُ حول الكيان الصّهيونيّ ودعمُه بالمال والسّلاح المحرَّم وغير المحرَّم من أجل إبادة الفلسطينيّين، ومقصودُها غضُّ العالم بدُوَلِه المتبنّية للمواثيق الإنسانيّة والأعراف الدّوليّة وقوانين الأمم المتّحدة بصرَها عن إبادة شعب احتضن مقاومةً عفّرتْ وجهَ هذا الكيان المارق المدلّل في التّراب منذ بطولات أطفال الحجارة على بُعد أمتار من دبّاباته ومصفّحاته حتّى أساطيرِ شبابِ طوفان الأقصى من "المسافة صفر" (مصطلحّ غزّاويّ لن تجده في غير قاموس المعركة التّاريخيّة الفاصلة التي شارفت على انتصاف سنتها الثّانية. مصطلح ثمين يحتاج كتُبًا تفكّكه وتشرحه وتكشف طينةَ أهله الجاعلينَهُ فعلا منجَزًا فوق الأرض وتحت الشّمس).

أمّا الثّانية فغايتُها استعادَةُ الأوطانِ الثّائرة إلى جلّاديها الذين ساموها باستغلال بشِعٍ لهذا المفهوم الملغوم (حقّّ أريد به باطلٌ) أبشعَ أنواع العسْف والمَهانة والظّلم والقهْر…

أيُّ معنى لمفهوم مدنيّة الدّولة سُرِّب لعقول هؤلاء المأجورين بأبخس الأثمان على امتداد خارطتنا العربيّة؟!

إنّه، كما علّمتنا التّجارب هنا وهناك، يعني الخروجَ من جِلدتنا والقطعَ مع هويّتنا بما ينضوي تحتها من لغة وفكر ودين لفائدة استلابٍ استعماريّ يُرضي المؤجّرين ويحطّم خصوصيّاتنا ويرذّل تراثنا الرّمزيّ الذي به نكون ونحيا بجدارة بين الأمم.

إنّه السّير في رَكْب غربٍ مستعمِرٍ أغرقَنا ب"روبافيكيا" فكرٍ وممارساتٍ وراءهما نوعٌ من الاستعمارِ جديدٌ قليلةٌ تكلفتُه كثيرةٌ فوائدُه المجنيّةُ.

لقد انتظرنا أن يُواجَهَ محرِّرو سوريا من هولاكو العصر الذي فعل بالبشر ما يُؤلم الحَجرَ الصّلْدَ الأصمَّ بمثل هذا الشّعار الهدّام الذي يصبّ ماؤه في حقول المنظومة القديمة والمستفيدين منها كما هو حال بعض الدّول العربيّة التي ثارتْ على أنظمتها الباطشة النّاهبة لتجد نفسها بفعل هؤلاء الأنذال من جديد في قبضتها.

والبلدُ المَسبيُّ ستّين سنةً أو يزيدُ يُحاولُ لَمْلمةَ جراحه العميقة النّازفة والاتّجاهَ إلى الأولويّات والمسائل العاجلة وسط اكتشافاتٍ للمعتقلات النّازيّة والمقابر الجماعيّة وبحثِ الأسَر الثّكلى عن مصير آلاف المحبوسين من أبنائها عقودا في ظروف لا تليق بالحيوان في أعراف جميع الأمم البشريّة، والبلدُ لم تجفّ دماءُ حِبال مشانقه التي أتتْ على آلاف السّوريّين ينطلق الشّبّيح حسين مرتضى (من جماعة الوليّ الفقيه التي تقف في أعلى درجات سُلّم العلمانيّة ههه) بعد أن هلّل للبراميل المتفجّرة بكلّ ما أوتيتْ حُنجرتُه المُصفّاةُ بماء الفودْكا الرّوسيّة ليُهلّلَ لأكذوبة الدّولة المدنيّة بتنظيم مظاهرة في قلب دمشق التي كان هو وأمثاله يتبوّلون في سراويلهم عند عبورها رغم تماهيهم مع مُلّاكها ومُلّاكه الأسُودِ على شعبهم النّعاجِ على مغتصِبي جُولانِهم ، مظاهرةٍ تطالب بأعجوبةِ "مدنيّة الدّولة" أقرّ أحدُ منظّميها على سبيل زللِ اللّسان الفاضِح الكاشِف بعودته من دولة الإمارات معلومةِ الوظيفةِ والتّوظيفِ قبل خمسة أيّام لا غيرَ، وهو ما يطرح أسئلة لا يجب أن تغيب على عاقل: ماذا يكيد أبناءُ زايد المتصهينون علَنًا لسوريا الجديدة ؟ أوَ يريدون اغتصاب ثورتها كما فعلوا مع سابقاتها العربيّة لصالح أسيادهم؟!

لماذا سكت ستّةَ عقودٍ عن واجب تحرير الجولان أقوامٌ نهضوا بين يوم وليلة مطالبين حكومةً انتقاليّة عمرها عشرات الأيّام بفعل ذلك؟! هل الذين حرّروا البلد من طُغاته قادمون من الشّاقْ واقْ؟ أليسوا أبناءَ الوطن يا أبناء العَمالة المفضوحة؟! ما ومَن الذي يختفي وراء هذا المنطق الأخرق الذي ترك أصحابُه المستعيدون بقُدرة قادرٍ ألسنتَهم الغائرةَ في مَحاجرِها دهْرًا بقرةَ الوطن وضرْعَها الخصيبَ لآلِ الأسد خوفًا وجُبنًا وتزلّفًا ليطالبوا سريعًا جدّا مقتلِعي هذه الأسرةِ النّازيّة النّزَويّة ومساميرِها الصّدئة ب"الدّيمقراطيّة" التي لم يذق أهل الشّام طعمَها يومًا وب"حقوق المرأة" التي اُنتُهك عِرضُها في بيتها وشارعها وزنزانتها وغيرِهِما من شعاراتٍ مُعلَّبةٍ قادمة من وراء الحدود المترصِّدة للثّورات تستبدل وُجهتَها إلى حيث يشتهي المشغِّلون ؟!

وهل سيُمكّن الشّعبُ الأكثر تعرّضا للقمع في تاريخه هؤلاء العملاءَ من تحقيق رغبتهم المُمْلاةِ في العودة بسوريا الشّقيقة إلى وراءٍ مظلِم ما بعده وراءٌ؟!

ننتظر …

Poster commentaire - أضف تعليقا

أي تعليق مسيء خارجا عن حدود الأخلاق ولا علاقة له بالمقال سيتم حذفه
Tout commentaire injurieux et sans rapport avec l'article sera supprimé.

Commentaires - تعليقات
Pas de commentaires - لا توجد تعليقات