كلّما أوغلنا في متابعة بعض " السّياسيين " في هذا الوطن المبتلى نشعر أنّ الانحطاط صار بلا قرار وأنّ السّقوط بلا قاع. كلّ يوم تصيبنا شظايا القذارة السّياسيّة بكلوم الرّوح من أطراف تأبى أن تمارس السّياسة بأخلاق فتصدّر إلينا عفنها عبر أبواقها الإعلاميّة فصرنا نسمع عن فلان الذّي يحاول أن يغري النوّاب ( نوّاب الشّعب يا إلهي ) بالسيّارات وفلتان الذّي يغري النواب بالدّيار وتذاكر سفر .. وعن تعيينات مقياسها كلّ وما اقترفت يداه في خدمة أصحاب المصلحة. أمّا الإعلام فسقوط آخر حيث يصبح " الكذب الإعلاميّ " بضاعة يوميّة للتّسويق وتصاب بالقرف وأنت تسمع تحاليل جهابذة الإعلام حول المقاطعة المصريّة للانتخابات الدّالّة على " الاطمئنان الكبير " على ديمقراطيّة تمسك بها ديكتاتوريّة عبقريّة. وبين هذا وذاك نغرق يوميّا في مستنقع آسن يصدّر سموما ونظلّ نصارع للاحتماء والتحصّن والارتقاء عن هذه الرّداءة التي تحاصرنا.
السّياسة فنّ الممكن، فنّ تسيير الشّأن العام صارت فنّ السّقوط: من يسقط أكثر؟ امتلأ القاع وازدحم وصار الكثير ذراعا لمن يدفع أكثر. ادفع وسأنكّل بعدوّك. ادفع وسأكشف المسكوت عنه والمستور. سأفضح. ونزع الحياء من الوجوه فلا حياء في السّياسة حين يتعلّق الأمر بالبقاء والقضاء على الآخر.
هذا السّقوط المريع يكشف عمق الأزمة السّياسيّة الأخلاقيّة في جانب كبير منها التّي تحوّلت إلى بؤرة تجذب إليها الجميع فيتلاحق السّقوط الواحد تلو الآخر. ولكنّ الخطير أنّ هذا السّقوط لا يثير ردود فعل كبرى وكأنّه من العاديّ أن تمارس السّياسة على هذا النّحو وأن يكون " الصّراع " تناحرا لا أخلاقيّا تتاح فيه كلّ الأسلحة مادام دفاعا عن مصالح قوى تأبى التّنازل عن مواقعها ومواطن نفوذها.
هل صار القاع أليفا؟ أليس للسّقوط حدود؟ أليس للهاوية قرار؟ هل نسينا القمّة الشمّاء؟
لا بدّ أن يكون هناك قرار. لا بدّ أن نقول عاليا: كفى لكلّ هذا. مللناكم وقرفت نفوسنا صغارتكم وأنانيتكم وجشعكم وتكالبكم. مللنا استهتاركم بالإنسان وبكرامة الإنسان وأنتم توغلون في غيّكم. كفى جاوز أذاكم لنا وللوطن المدى..
من حقّنا كمواطنين أن نتنفّس هواء نظيفا وأن نشاهد سياسيين شرفاء وبأهليّة سياسيّة وأخلاقيّة عالية يدافعون عن قضايا الوطن قبل مواقعهم وأرصدتهم البنكيّة وأن نستمع إلى خطاب سياسيّ راق ليس فيه سباب ولا شتائم ولا تبادل اتّهام. أن نصغي إلى تحاليل ترتوي بعبق المحبّة للوطن لا بالهوس بالسّلطة والرّغبة في القتل المعنوي للآخر.
من حقّنا أن نحصّن أنفسنا وأبناءنا من أذاكم الذّي يبلغنا عبر أبواقكم وصحافتكم. من حقّنا أن تخفت أصواتكم العالية المزيّفة قليلا لترتفع أصوات أصحاب المعاني الحقيقيّة.
مللنا مهاتراتكم ونريد سياسيين بروح غاندي ونزاهة مانديلا في رؤيتهم للعالم وتصوّرهم للسّياسة لا بعقل برلسكوني في جشعه وفساده.
لا تهمّنا حروبكم الإعلاميّة ولا مقارباتكم فنحن على يقين بافتقادكم لحسّ المسؤوليّة في تسيير الشّأن العام وتقرير مصير البلاد. وعلى يقين أيضا أنّكم في النّزع الأخير تحاولون إنقاذ ما يسمّى حزب من التحلّل والموت بعد أن ثبت أنّه كان يحمل من البداية بذور فنائه.
نريد سياسيين يخافون على الوطن ولا يخيفوننا عليه. أين نجدهم؟
هو ليس مطلبا مثاليّا. فهم هنا. شبابا وكهولا. يكفي أن يجتمعوا حول الوطن. بقلب رجل واحد. أو امرأة.