في المختبر الكبير للانتخابات التركية، لا تعنيني أنا المواطنة التونسية الملقاة على أرصفة الخيبة الديمقراطية في العقد الثالث من القرن الحالي كجلّ العرب سوى التجربة الديمقراطية ذاتها في كامل بهائها ودفقها وقدرتها التعبيريّة الهائلة عن إرادة المنتخبين الأتراك.
المشروع الديمقراطي الكبير الذي فوّتنا فيه هنا وحافظ عليه الأتراك هناك هو ما يعنيني. وقوف الأتراك بكلّ أطيافهم يسارا ويمينا ووسطا في وجه الدبابة الانقلابية ذات ليلة وترحيبهم بها هنا. الأهم من الأسماء المرشّحة هناك هو ثبات المؤسّسات الديمقراطيّة أمام الزلازل، وتداعيها بسرعة هنا.
الخلل هنا عميق، ومنه نفذ الانقلاب. في مجتمعنا حيث حملة السرديّات الكبرى مازالوا يؤمنون بالدولة القوميّة العسكريّة وبديكتاتورية البروليتاريا وبالخلافة ويستبطنون عقيدة الفرد المخلّص المعمّمة على كامل المجتمع في ظلّ غياب نموذج ديمقراطي حقيقي يغيّر التركيبة الذّهنية،
وسط كلّ هذا، ومع قابليّة التونسي جاهلا ومثقّفا واستعداده " الفطري" المذهل وغير المفهوم للتلاعب به بالمال والإعلام، لا يمكن للتجربة الديمقراطية إلّا أن تنتهي إلى ما آلت إليه.
في المختبرات الديمقراطية الحقيقية يخضع الجميع حتى حملة السرديّات الكبرى للمشروع الديمقراطي المشترك، ذلك أنّ أي سرديّة منفلتة يمكن أن تتحوّل إلى مشروع استبداد، ينتهي إلى اعتبار المختلفين أعداء ومجرمين، وإلى تخلّف مزمن ومفتوح الأمد.
مختبرنا التونسي يكاد يخرج بنتيجة واحدة: كره الديمقراطية وحب الاستبداد يكاد يصبح أمرا جينيّا. ولعلّه تشوّه جينيّ أكيد.