لا أحبّ كثيرا النماذج النمطية التي يصنعها حلّاقو وحلّاقات تونس للعرائس هنا. إذ تغيب الملامح تحت وطأة المواد الناحتة لوجه جديد بمواصفات واحدة تقريبا، وتتيه الهويّة التائهة بطبعها داخل مجتمعات التيه العربية، ويصبح الهدف صناعة وجه بعينه يستجيب للذّائقة المفروضة عن طريق مؤسّسات الموضة وروّاد التجميل وأحكام السوق. وجه يسرق من الوجه الحقيقي معناه ويحقّق إشباعا وهميّا بالرّضى عن الذّات التي تتماهى نهائيا في الصورة النمطيّة.
وأذكر أنّي تهت مرّة عن كلّ ما قرأت عن سلطة الموضة وعمّا ملأت به دماغي من نصوص عن نسقها الذي يحوّل العالم إلى مسرح، وقمت في مناسبة عائليّة بماكياج لبناني كان موضة في تلك الآونة ( أصدقائي اللبنانيين أحبّكم( فكانت النتيجة أن أنكرني ابني الذي كان آنذاك يبلغ العامين من العمر، وظلّ يبحث عني. كان الأمر فظيعا سبّب له كراهية شديدة للماكياج وظلّ يقول لي دائما أنّني كنت أشبه بطل فيلم رعب.
صناعة النماذج حسب مقتضيات السوق نجده في صناعة الرؤساء أيضا. كريم الأساس الذي تستعمله فرق الدعاية هذه الأيّام كثيف جدّا ويخفي عن الكثير الوجه الحقيقي المرعب للمافيوزيين وللفاشيين المترشّحيين.
بدءا من صور مقامات الأولياء والتمسّح على أعتابها، وصولا إلى نشر صورهم في الحجّ باللحاف الأبيض الذي يوهم بالصفاء والطّهر ويحوّل المافيوزي إلى قدّيس، أو إلى تشافيز جديد بعرض صور الالتحام المسرحي بفقراء الوطن، انتهاء بالتخفي وراء رفض المساواة في الميراث، كريم أساس سيّء يكشف انتهازيّة في التفكير من ابنة نظام بائد تفنّن في ضرب "ثوابت الأمّة".
ويحدث أن يسيل كريم الأساس من فرط الحرارة، فنرى الحقيقة المرّة لرؤساء السوق.
صناعة نموذج العروس، صناعة نموذج الرئيس، كلاهما استجابة لشروط عرس واحد: عرس السوق الباحث عن الربح السريع على حساب المعنى الجميل.
أنا وعدت إحدى صديقاتي وفقا لطلبها بأن أكتب عن المرأة وأترك قليلا السياسة. وها أنا أفعل.