لم تكن ليلة البارحة مظلمة فقد أضاءت أنوار السوبرنوفا على الحاضرين وكان اللقاء ممتعا وشيّقا، وكان سروري عظيما باكتمال المائدة المستديرة بأصدقاء من حساسيات سياسية مختلفة، يسارا ويمينا، وهو فعل جميل ترتكبه الرواية، الفعل المبهج للأدب حين يكون أدبا جامعا حول معنى شاهق وفكرة خلّاقة.
الصديق المؤرخ الأستاذ محمد ضيف الله قدّم الرواية واعتبرها أسطورة جديدة تؤسس لزمن عربي قادم، وذكر إنّه وجد فيها روح ملحمة قلقامش وغرابة الأساطير القديمة التي تتزامن ولحظة التأسيس، وأثنى على شعرية النصّ واللغة الصائغة للعوالم الروائية.
في مداخلتي تحدّثت عن الاختيار الفني المعتمد في الرواية بحثا عن جمالية غير مألوفة من خلال توظيف ظاهرة فيزيائية وهو ما يقيم علاقة نادرة بين الرواية والفيزياء وبين الرواية والعلم، وقلت إنّ ما يحدث في الفضاء يعلّمنا الأمل. فحدث موت نجم وانفجار غلافه وتحوّله إلى ذرّات غبار تتحوّل بدورها إلى سدم ونجوم جديدة هو فعل يحتاج فقط زمنا كثيفا. وسنحتاج نفس الزمن الكثيف لنخرج إلى نظام جديد من رحم كلّ هذه الفوضى التي نعيش، فوضى هي لحظة بدء نظام جديد. وقد تطول البدايات فنصاب باليأس وقد تطول الانصهارات القاسية فنصاب بالوجع ولكن في النهاية سنصل إلى شيء ما.
وفي الاستفادة من العلم ( فيزياء الفضاء ) ومن ( الرسم الحديث( اللوحات التي تغادر رسومها الجدران والإطار لتصنع الحدث (ومن السينما ( المشاهد السينمائة المفعمة بالحركة خاصة مشهد المطاردة ومشهد الغرق و(من الشعر( حضور تفسير طريف في أحد فصول الرواية لوجود الشعر على الأرض منحوت من زمن (السوبرنوفا ) قلت إنّ كتابة رواية المستقبل يحتاج أدوات جديدة فلا يمكن أن نكتب المستقبل بأدوات قديمة ذلك أنّ " ما يهمني أكثر من الماضي هو المستقبل، حيث أني أنوي العيش فيه." كما قرأت البطلة غزلان من كتاب في القبو العجيب.
وفي سؤال عن الخيال في الرواية قلت إنّ الرواية أردتها برهنة على خيال تونسي شاسع لا حدود له. إنّه التحدي لمن يقول إننا نعيش فقرا في الخيال.
في الختام قلت إنّ النصّ يعسر تلخيصه نظرا لتشعّب أحداثة وتعقّدها وإنّه يتنزّل في سياق النضال السردي الذي يسعى إلى تجديد الهويّة وإلى الخروج إلى بعد آخر غير ذلك الذي انحبسنا فيه طويلا فبقينا نعيد إنتاج نفس النظام المعرفي بكلّ مشكلاته. هذا الأفق الذي ترسمه الرواية يتجلّى من خلال المشهد الأخير مشهد مغادرة القبو عبر الباب السريّ والولوج إلى الضوء. إنّه الولوج إلى الضوء الذي قد يخرجنا الآن من ظلمات غامرة وحضارة تغرق ونجم عربي قديم يموت.
النقاش كان عميقا وثريا وممتعا.بدأه الدكتور محمد كشكار الذي نقد تفاؤلي معرّجا على كتاب أمين معلوف: غرق الحضارات ليقول ألّا أمل الآن. وكانت فرصة لتسلّم الكتاب الذي قد يكون موضوع ندوة لاحقة.
مداخلتان أربكتاني هما مداخلة الصديق الشاعر والروائي عبد اللطيف علوي الذي أخجلني بثنائه على كتاباتي ومواقفي وقدّم شهادة ثمينة على دفاعي عن الاختلاف الجميل هنا. كلّ الشكر لسي عبد اللطيف.
ومداخلة الصديق العزيز مدير دار الثقافة ابن رشيق سابقا شكري لطيف الذي قدّم شهادة مميّزة وقراءة عميقة للرواية تشفّ عن ثقافة واسعة ومعرفة عميقة. شكرا صديقي شكري لطيف.
كما فاجأني الصحفي الكبير سي محمد بن رجب بملاحظات قيّمة عن الرواية دوّنها اليوم في مقال شيّق. شكرا سي محمد دمت قيمة ثابتة في عالم الثقافة.
اللقاء الجميل تخلّلته قراءات لمقامات طريفة وهزلية وترانيم على العود لسعيد الجندوبي أثارت إعجاب الحاضرين. سعدت كثيرا بحضور كلّ الأصدقاء. وقلت إنّ الخروج في رمضان ليلا من أجل رواية هو حدث جميل ونادر.
الشكر موصول لأصدقائي الزراع: شهاب بوغدير، سعيد الجندوبي، محمد ضيف الله على مساندتهم وسعيهم إلى ثقافة تقاوم الرداءة والقبح والتفاهة السائدة اليوم.
دمتم أصدقائي.