لم يحدث أن عشت زمنا وبائيا كهذا الزمن وكنت أعتقد أنّني في زمني هذا قد نجوت وأنّ الأوبئة أمر قديم يذكّرني الإنسان البدائي عاريا أمام خوفه يرتجف في البرد والريح ويقاوم حرارته العالية بالدّين والخرافة.
وكنت أفكّر كيف كان وجه أوّل امرأة أصيبت بالجذام وماذا كتب ابو ذؤيب الهذلي قبل ان يتلف الطّاعون أبناءه الخمسة وكيف أفشل الطاعون حلم بونابارت بغزو حيفا وكيف وقف أمام جثث جنده التي أهلكها الوباء صامتا كلوحة.
لم يحدث أن عشت زمنا كهذا وحتّى أنفلونزا الطيور التي مرّت بنا في زمننا بدت لي أمرا عابرا كطائر مهاجر ولم تمنعني من مداعبة عصافير أبي في قفصها الوثير وأنا أسأل: كيف لهذه الكائنات اللّطيفة أن تصير مؤذية؟
أما انفلوانزا الخنازير فبدت لي مزحة ثقيلة لشركات مجهولة الهوية. لم يحدث أن عشت زمنا وبائيا وحتّى كذبة البطل في رواية ماركيز: حبّ في زمن الكوليرا لم تنطل عليّ كنتُ هناك في السّفينة ذلك اليوم حين أعلن فلورينتينو خدعة الوباء.. حتى لا ينتهي اللقاء وكدت اصرخ أنّها خدعة لولا أنّ ماركيز كتم انفاسي وقرّر وضع العلم الأصفر على السفينة التي تحمل عاشقيها المُسِنّين.
انتصارا لحب لا يهزمه العُمُر. لم يحدث أن عشت هذا الزّمن لذلك.. لا أفهم ما يحدث وكامرأة قادمة من زمن الفوضى أجلس منضبطة. أنتظر ولادة المعجزة.