مجتمع تُغتصب فيه يوميا أنبل المعاني سينتج لا ريب مغتصبين. لاحظوا أنّ جسد الأمّ والمرأة يُنتهك يوميا على لسان أطفال وشباب وكهول في معاركهم اليومية الصغيرة أو الكبيرة.، وأنّ مثقفين يستعملون في سبابهم نعوتا مؤذية للمرأة، وأنّ متديّنين مازالوا يقيمون محاكم التفتيش ويعتبرون امرأة غير متحجبة مصدر شهوة، وفتاة جميلة مصدر فتنة.
المعاني تغتصب كلّ يوم وفي فضاءات مفتوحة للجميع: الشارع الواقعي والشارع الافتراضي حيث يصادفك كلّ شيء: انفجار المكبوتين وهذيان المحرومين وتشفي المظلومين وعربدة الواهمين. اللغة المستعملة نفسها لغة تنطوي على شحنة الاغتصاب وهو اغتصاب لفظيّ يهيّء لفعل الاغتصاب الحقيقي.
الاغتصاب اللغوي السابق للفعل والذي يتجلّى أحيانا في أشكال من التحرش اللغوي الذي يمرّ دون اعتراض ويعبّر عن عدم احترام للكيان الأنثوي بل استباحة له واستباحة لغزوه ولو بالقوّة.
تاريخ كامل من اغتصاب المعاني الإنسانية النبيلة، ومن اغتصاب المعاني السياسية الكبرى: العدالة والمساواة والكرامة والتضامن والوحدة وحرية المرأة.. معان يتمّ اغتصابها بشكل مستمرّ عبر التوظيف السياسي الفجّ والاستغلال الانتهازي والعرض الصوري.
وانهزمت التربية كفعل تهذيب للتوحش عن أن تقاوم هذا النزوع الغرائزي الرهيب لاغتصاب كلّ شيء من أجل المال والسلطة والنزوة. سنكون الإنسان حين نتعلّم أن لا حقّ لنا لأيّ سبب في إيذاء جسد الآخر ولا روحه ولا إحساسه ولو بإيماءة،
وأنّ لمس جسد الآخر يعدّ انتهاكا ما لم يرغب الآخر في ذلك. معان تبدو غريبة على مجتمع مازال يعتبر جسد المرأة والطفل مجالات غزو واستباحة.