ورشة ضخمة وحقيقية ومسلّحة بأعتى الأدوات العلمية والأدبية والفلسفية والدينية يجب أن تقام هنا في هذه البلاد من أجل إصلاح أعطاب الإنسان. وكلّ يوم أزداد يقينا بأنّ المسألة ليست أزمة سياسية بنيوية بقدر ما هي أزمة "إنسانية"و" أخلاقية" بنيوية.
تتعلّق بالبنية الذهنية وأيضا بالأخلاق. نزعة إلى التدمير والترذيل تؤكّد أنّ ما حدث منذ التسعينات مع ضرب التعليم هو تعطيب الإنسان فكرا وروحا وأخلاقا وقدرة إبداعية. هذا الإنسان ومع مساحة الحرية الواسعة بعد الثورة وجدناه يتخبّط دون بوصلة صحيحة ودون مفاهيم واضحة ورؤى عميقة ودون قدرة على بناء وجوده إبداعيا.
هو مرتبك متناقض متردّد طامع مناور متهاو متعال عدواني ومدّعي معرفة. وكلمنجي وغدّار (كم قاس أن نقول هذا) عناده غريب مع كثير من الكِبر والغطرسة وعدم التواضع. دوران حول الذات التي لا ترى غير نفسها. والآخر هو مصدر خطر دائما ولا بدّ من المحافظة على علوّ الجدران للتحصّن منه.
ولم تسقط هذه الجدران رغم ادّعاء الدّيمقراطية. سقط جدار برلين منذ زمن ولم تسقط جدراننا القائمة منذ السبعينات. بل ترتفع كل يوم جدران جديدة لتأكيد الذات المتهاوية بإيجاد الضدّ المتربص. هذا الإنسان المعطب لم ينجح في بناء المشترك. أفقنا للخلاص.
الأحزاب هي التكثيف الرمزي لهذا الإنسان. فبداخلها ومع السعي المحموم إلى الانتصار في معارك الحكم تخرج كلّ هذه الأعطاب إلى العلن وتتضخّم إلى حدّ الإضحاك. فنرى حشودا تحكمها العصبيات والشعبويات. ولا أحد يجرؤ على النقد الذاتي.
تحويل البلاد إلى ورشة ضخمة حقيقية ومسلّحة بأعتى الأسلحة العلمية والأدبية والفلسفية والدينية، أمر ضروري ومستعجل. والحل بيد المبدعين الذين يجب أن يتكاثروا كالنمل والنحل في هذه الأرض. وأن يدخلوا كلّ ثقوب العقل ومغاور الروح. وأن يحتلّوا الإنسان ويفتكّوه من خوائه ويحدثوا بداخله الامتلاء.
آنذاك قد نصير شعبا، كما يقول درويش الذي أفتقده في معاركنا الجديدة:
سنصيرُ شعباً، إن أَردنا، حين نعلم أَننا لسنا ملائكةً، وأَنَّ
الشرَّ ليس من اختصاص الآخرينْ
سنصير شعباً حين نحترم الصواب، وحين نحترم الغَلَطْ!