لست واثقة بأننا مجتمع قيم ومثل عليا ولكنني واثقة إلى حدّ ما أنّنا مجتمع غرائزي وأنّ هذه الغرائزيّة تتحوّل لدى الكثير إلى وحش يبيح الاغتصاب بأنواعه، الاغتصاب الجسدي للاطفال، والاغتصاب الوجودي للانسان الذي لم يعد يجد ضمانات الوجود، والاغتصاب الفكري حين يتم الإسقاط القسري لأفكار تحدث في الذات شرخا رهيبا، واغتصاب المعاني دون حدود.
إنّ إباحة جسد الآخر وخاصّة الأطفال يدلّ على غرائزيّة قذرة وهي ليست حالة معزولة ف" تشريع " هذه الممارسة اليوم يتمّ عالميا في اتّجاه ترويج قيم فلسفة اللذّة الكاملة التي تشيع ويتمّ دعمها حتّى بدراسات علميّة وفق الطّلب وببرامج واستراتيجيات تهدف إلى صناعة الإنسان الغرائزيّ الذي يتمّ التحكّم فيه عبر الإثارة تماما كما يحدث في تشريع المثليّة علميّا وهو ما يدلّ على درجة القذارة التي يروّجها رأس المال المتوحّش القابض على أرواحنا وأجسادنا دون رحمة.
مواجهة الغرائزيّة هنا حين تتحوّل إلى مرض مستشر لا يكون بغير العقاب القانوني وربّما علينا أن نعترف أنّ الجميع مشارك في الإفلات من العقاب، إفلات شبيه بإفلات مغتصبي الوطن من المحاسبة، وأنّ هناك تواطؤ صامت على الصمت إزاء هذه الممارسات وكأنّما هي " عاديّة".
إنّ المحاسبة لا ينبغي أن توضع ضمن الحسابات السياسية ولا القطاعية بعد أن تحوّلنا إلى " طوائف " مهنيّة، بل لا بدّ أن تكون خارج كلّ الحسابات لأنّها تتعلّق بطفل غير قادر على الدّفاع عن نفسه، وتتعلّق بترويض الإنسان " الذّئب الحديث " اليوم على وضع حدّ لغريزة التملّك المطلقة واللذّة المطلقة التي لا حدّ لها وسط هذا الطغيان لفلسفة اللذّة الكاملة والتذيّب المعولم الذي يغذّي قصدا الغريزة ويوقظها ويثيرها ويهيّجها من أجل خلق كائن يستهلك دون حدود كلّ ما تنتجه الثقافة المعولمة من منتجات ماديّة أو من أفكار وقيم وسلوكيّات ومفاهيم وعلاقات جديدة قد تكون صادمة أحيانا ولكن يقع التطبيع معها تدريجيّا عبر برامج التفاهة.
ويظلّ الأدب والفلسفة والدين، الدين بمعانيه الحقيقية لا المغتصبة، بمعنى الشبع مقابل الجوع والاطمئنان مقابل الخوف " وأطعمهم من جوع وآمنهم من خوف " وبمعنى النظافة مقابل القذارة بمعناها الواسع، والأدب بمعناه الحقيقي لا المغتصب، بمعنى الجمال ضدّ التشوّه، والفلسفة بمعناها الحقيقي لا المغتصب، بمعنى الإنسانيّة ضدّ التوحّش، مجالات لترهيف الذّات وتحريرها. ترهيف به تكون الإنسان.