المرأة الحامل.. لا شيء يدهشني قدر مشهد امرأة حامل.. قدر أن تعيش الحمل.. حين أرى امرأة حاملا أبتسم لها مباشره فهي عندي تحمل أجمل مشروع في هذا الكون.. مشروع حمل الإنسان.. الدّهشة تبدأ مع انتفاخ البطن تدريجيّا.. مع تكوّره.. امتلاء الوجه وإشراقته.. بريق العينين.. مع حركة الجنين في الدّاخل.. حركة رفيقة في البداية.. عنيفة في الأخير حين يبدأ في دفع الغشاء بقدميه كأنّما يطلب خروجا إلى العالم.. هو لا يعلم أيّ عالم يسير إليه؟ أيّ عالم قدّر له؟ أيّ دولة سينتمي إليها؟ أيّ جنسيّة ستنسب له؟ لكنّه يتعجّل الخروج..
الدّهشة حين تغنّي له فيهدأ.. حين تحاوره فيدقّ دقّات خفيفة كأنّما يجاوبك.. حين يبرز نتوء ما في أحد جنبيك فتتلمّسه برفق: هل هو رأسه أم أحد قدميه؟ هل هو اصبعه الصغير؟ تداعبه برفق فيتمطّى في نعومة.. هي لغة لا تعرفها سوى الأمّ الحامل..
والدّهشة حين يبدأ مخاض الولادة ثمّ تسمع أجمل نشيد في العالم: بكاء صغيرك.. حين تحمله إلى صدرك وتضمّه إليك عاريا.. تدرك آنذاك المعجزة الإلهيّة.. وتشعر أنّك نظمت القصيدة الأجمل.. الرّواية الأبهى…. حين يفتح عينيه ويبتسم لك أجمل ابتسامة تشعر بالامتلاء وتهمس: كفى بي سعادة أنّك هنا..
المرأة الحامل احتفى بها رسّامون كثيرون ويذكر أنّ البعض فسّر ابتسامة الموناليزا لليوناردو دي فينشي بكونها حامل. في لوحة «عمَّان» للرسّامة الأردنيّة هيلدا حيارى هناك امرأة حبلى في إشارة إلى وعد بالثّورة.. إلى جنين سيصير يوما ما وطنا جميلا..
أحد النحّاتين الأستراليين وضع أضخم تمثال لامرأة حامل بتقنيات مذهلة حتّى تكاد تراها أمامك كائنا حيّا. البطن المنتفخة إيذان بالخصب وبالخير لدى الشّعوب المتقدّمة..
وأذكر أنّ والدي حفظه اللّه كان يقول لي: الحمل والولادة يجدّدان المرأة. يجعلانها أكثر جمالا ونعومة ورقّة..
الحمل يجدّد الحياة لذلك تحتفي به الشّعوب. ولكنّه لدينا أصبح لعنة..
الحمل لعنة حين تنتمي المرأة الحامل إلى دولة عاقر عاجزة عن أن تلد مشروع الدّولة الوطنيّة العادلة في توزيع حقّ الحياة بين النّاس على قدم المساواة..
والدّولة عاقر حين تعجز عن مقاومة جشع مجموعات قويّة بنفوذها وأنانيتها وحين تعجز عن توفير الحدّ الأدنى لحياة كريمة للجميع.. وحين تفكّر بعقل عقيم لا ينتج أفكارا جديدة خارج دائرة المصلحة الضيّقة للطّبقة التي تسندها بالمال والنّفوذ..
أن تموت امرأة أثناء الولادة وجرّاء الإهمال وغياب الطّاقم الطبّي الذّي يرفض العمل في المناطق النّائية جريمة في حقّ الوطن والحياة.. في حقّ الإنسان.. وما أرخص الإنسان لدينا..
في بلدان الرّفاهة يبالغ الأطبّاء في الاحتفاء بالمرأة الحامل وتتبنّى الدّولة متاعب الأسرة في الاحتفاء بالطّفل الموعود.. الفرح الموعود..
هنا بعض أطبّائنا يحتفون بعياداتهم الفخمة وأرصدتهم البنكية ومتاجرتهم بالعقّارات والبيع والشّراء ويقدّمون بذلك أبشع الدّروس للأجيال الجديدة من الأطبّاء الذّين يرفضون مغادرة مناطق " الرّفاهة ".. إلى مناطق البؤس.. " مناطق الكونترا وبيع السّلاح " كما تروّج إحدى " حداثيّاتنا الحداثيّات جدّا..
هنا، وأستثني الكبار الممتلئين بالقيم الإنسانيّة والذّين يقدّمون خدمات جليلة للإنسان فننحني لهم إكبارا وإجلالا، الإنسان رقم وجسد للابتزاز والطّبيب مشروع تاجر.. كبعض المحامين، كبعض المهندسين، كبعض الأساتذة..
وفي ظلّ الدّولة التّي تساند طائفة الأطبّاء المتعالين على الإنسان والمهوسين بأرصدتهم.. الدّولة التّي لا تعترف بحبّ الفقراء وحملهنّ وولادتهنّ .. تجلس النّساء الحوامل المنسيّات على عتبة المستوصف أو المستشفى تستجدين طبيبا أو قابلة يحرس حلمهنّ المرتقب..
وتموت الكثيرات.. في انتظار طبيب منشغل بالبحث عن عقّار جديد يضيفه إلى رصيد عقّاراته أو بمشروع تجاريّ ينافس به غيره من الأطبّاء..
أو في انتظار طبيب شابّ توارث عن البعض من الأجيال السّابقة الأنانيّة والجشع..
سألني أحد الأصدقاء البارحة: ما حاجتنا للشّعر؟
قلت: الشّعر خزّان قيم..
هل أدركتم مدى حاجتنا للقيم؟