فتونس لم تعرف لحظة شِعر سخيّة كتلك التي عاشتها ما بين 17 و 14 جانفي إنّها اللحظة الشّعريّة الكبرى التي أربكت شعراء البلاد فلم يكتبوها وأربكت السَّاسة فلم يلتقطوها.
لحظة انبثاق الجمال… ذروة الحياة… ولأنّ الشّعر ذروة كلّ شيء سأنزل غدا إلى الشّارع فالشّارع هو الوجه الأخر للشّعر الذي لا يكتب في الصّالونات ولا ينال المكافآت ولأنّ الشِّعر ذروة الجمال سأنزل لمواجهة قبح اللغة الرسميّة هنا وعجرفتها وعربدتها وكذب المؤرّخين والإعلاميين والجامعيين صَنَعَة الأكاذيب الحقيقية وحيل اللصوص.
ولأنّ الشِّعر هو العيد والعيد هو الناس وليس تاريخا رسميّا يقرّر في الّرائد الرّسمي فسأنزل إلى الشّارع مع النّاس العقلاء والمجانين لأنّ الجنون هو ذروة الشِّعر أيضا ولأنّ الشّعر هو الحريّة … ذروتها
ولأنّ الديمقراطيّة هنا أنكرها الشّعراء فلم تجد شاعرا فذّا في قيمة والت ويتمان الأمريكي يقاتل من أجلها ويقاوم كلّ أشكال التعصّب والفاشيّة والديكتاتوريّة فليس لنا نحن سوى أن ننزل إلى الشّارع لنخطّ قصيدة الدّيمقراطيّة بخطى أقدامنا على أرصفة الشّارع المحاصر بقرارات اللجان العلميّة الطيّعة.
من سينزلون غدا، هم من يحيَيْون الشّعر في هذه البلاد، ومن يواصلون حلم الشّاعر وهو يدعو الجميع إلى المائدة الديمقراطية منذ قرنين من الزّمن، قرنين كاملين، ديمقراطيّة ينصهر فيها الجميع ويذوبون:
"هذه هي المائدة، مهيأة بالتساوي للجميع،
هذا هو اللحمُ للجوع الطبيعي،
إنه من أجل الأشرار كما هو للأخيار،
وأنا على موعد مع الجميع،
ولن أستثني أحداً،
ال*مرأةُ السجينةُ، والطفيليُ، واللصّ، جميعهم مدعوون،
العبدُ ذو الشفتين الغليظتين مدعوٌ، والمصاب بالسفلِس مدعوٌ،
ولن يكون هناك فرق بينهم وبين البقية.
هذه ضغطةُ يدٍ خجولة، هذه رائحةُ وانسكابُ الشَعر،
وهذا هو التوحّد المتأمّل لنفسي، وإطلاق سراحها من جديد.
هل تظنّ أنني أُخفي غايةً غامضةً؟
أجل أخفي، لأنّ أمطار الشهر الرابع تُخفي،
ونثارُ الزجاج قرب الصخرة يخفي.
وهل تظنّ أنني سأُُدهِشُ؟
هل يُدهشنا ضوءُ النهار؟ وهل يدهشنا طائر الحميراء
وهو يغرّدُ في الغابات؟
وهل أدهشُ أكثر مما تُدهش هذه جميعاً؟
هذه الساعة سوف أسرّ بالأشياء،
ربما لن أبوحَ بها للجميع، لكنني سأبوحُ بها لك."
والت ويتمان ( من قصيدته: أغنية نفسي )