ـ طيّب، ماذا لو كان حمّة الهمّامي رئيسا ؟
ـ لا مانع لديّ. على الأقل سيعمل على ألّا نقف في صفوف الخبز الطويلة. لن يسمح بذلك. يكفي أن يحقّق شعار: خبز لكل مواطن لكي نكون سعداء. أنا واثق. وفوق هذا، سيقول شعرا. شعرا في الحبّ.قد لا يكون شعرا كما تحبّه، ولكنّه لن يكون كلاما يشبه المهل. سيكون رئيس الخبز والحبّ. والأهمّ، لا أظنّه يمضي على اتّفاقية الاستعمار الجديد.
ـ وماذا لو كان الشيخ مورو هو الرئيس؟
ـ سنضحك كثيرا على أقلّ تقدير. رجل بفكاهته وظرفه لن يؤذينا. سيكون كلامه بلسما ولو كان مجاملة. سيغنّي لنا. ويرقص أحيانا. وفي الجدّ، سيزأر مثل أسد، ولكنّه لن يعتقل أحدا. لا يمكن لصاحب شعار " بوس خوك " الذي انتقدناه أن يعتقل أحدا. سيكون رئيس القبلات الأخويّة. والأهمّ، لا أظنّه يمضي على اتّفاقية الاستعمار الجديد.
ـ وماذا لو كان نجيب الشابي رئيسا؟
ـ رجل عقلانيّ بعقل سياسي نادر في هذه البلاد. أخطاؤه أخطاء من يمارس السياسة، ومواقفه مواقف من يمارس السياسة بمبدئيّة، معه قد يتشكّل في هذه البلاد " البلا عقل " عقل سياسيّ حقيقي. والأهم، لا أظنّه يمضي على اتّفاقية الاستعمار الجديد.
ـ طيب. لم لم ننتخب واحدا من هؤلاء؟
ـ لا أدري. كان هناك شيء يشبه السحر الأسود. كأنّ أحدا وضع لشعب بأكمله خلطة عجيبة من أوهام وقال له: اشرب. وشربنا. شربنا الأوهام ورقصنا. ويبدو أنّ غاية السّحرة بلوغ اتّفاق مثل هذا.لا شكّ أنّهم يهنّؤون بعضهم البعض الآن. وسيقول أحفادنا يوما إنّنا كنّا ضحيّة السّحر الأسود. وسيتّهموننا بالخضوع. لا أعتقد أنّهم سيصفّقون.
ـ من أصابنا يا ترى؟
ـ هم السحرة الجدد. سحرة الغرف والوسائط، أصابونا بشيء يشبه العمى في رواية جوزيه ساراماجو ، حين يأتي الوباء بطريقة غامضة، لا أحد يعلم من أين أتى وكيف، فيصيب شعبا بأكمله، وها نحن كما تقول بطلة الرواية في النهاية:”: لا أعتقد أنّنا عمينا ولكنّنا بشر عميان يستطيعون أن يروا لكنّهم لا يرون.” ا.
ـ أمازال أمل؟
ـ أتريدين حقيقة أم وهم؟
ـ حقيقة
ـ سأجيبك بما قاله ميلان كونديرا الذي رحل هذه الأيّام:"أدركنا منذ زمن بعيد، أنه لم يعد بالإمكان قلب هذا العالم.
ولا تغييره إلى الأفضل ولا إيقاف جريانه البائس إلى الأمام.
لم تعد هناك سوى مقاومة وحيدة ممكنة:أن لا نأخذ العالم على محمل الجد"..
ـ أتراها خلاصة وجودنا ؟
ـ أجل. سخرية عظيمة في مواجهة اللّاشيء الذي نعيش.
ـ لعلّها تجربة كونديرا الذي عاصر النازية والحرب العالمية. ربّما تجربتنا مختلفة.
ـ إنّها أشدّ. إنّها المعتقلات الجديدة الناعمة التي تحدّث عنها ألدوس هكسلي الألماني منذ ثلاثينات القرن الماضي في روايته" عالم جديد شجاع ": معتقلات كبرى تسَعُ مجتمعات، وفيها تؤسر شعوب بأكملها، وسيحبّ الناس عبوديّتهم، وسيحرمون من كلّ رغبة في التمرّد، وسيبحثون بكلّ الطرق عن أوهام الرّخاء، دون تفكير، دون حريّة، دون حبّ، دون سعادة. إنّها نبوءة هكسلي.
ـ قد نحتاج الشجاعة، لا غير.
ـ ونحتاج انتباها إلى هذا الاعتقال الجديد
ـ كيف هو الرئيس الذي تريد؟
ـ رئيس ساخر من نفسه ومنا ومن العالم. بلطف آسر. بجمالية هائلة. بشجاعة حالمة. على طريقة كونديرا. رئيس كونديري النزعة.
ـ يا إلهي..