مازلت أؤمن أن تغير الواقع السياسي في تونس والدفع به نحو أفق مواطني ما بعد ايديولوجي لا يمكن ان يكون بدون حركة نقدية مزدوجة يشارك فيها الإسلاميون والعلمانيون على حد سواء. اذ لا قيمة سياسية لأية مراجعات تقوم بها حركة النهضة مادام المنتمون إلى "العائلة الديمقراطية" محكومون بالعديد من المسلمات والبديهيات "اللاوظيفية" التي يمكن ردها إلى الخرافات التأسيسية التالية:
- خرافة الاستثناء الإسلامي ، أي أن التعارض بين الإسلام وبين الديمقراطية والفلسفة السياسية الحديثة هو تعارض ماهوي Essentiel ومطلق وغير قابل للتجاوز، أي إن التعارض الاساسي هو بين الإسلام ذاته (في عقائده وقيمه وتشريعاته ورمزياته ومخياله، أي في "رؤيته للعالم"بالمعنى الفيبري للكلمة) وبين الحداثة السياسية في جميع أشكالها المطروحة أمام الفاعلين السياسيين في تونس.
-خرافة الاستثناء التونسي أو "النمط المجتمعي التونسي" باعتباره سمة تمييزية مطلقة ونهائية وغير قابلة للمراجعة من جهة أسسها الفلسفية وترسانتها التشريعية ومنظومتها القيمية. وهي خرافة تنتمي إلى عالم المشاعر أكثر من انتمائها إلى عالم الأفكار وذلك لأننا لا نجد أي نسق حجاجي متماسك وقادر على الدفاع عن "النمط المجتمعي" خارج الادعاءات الذاتية، وبعيدا عن الاستعلاء الفكري والتمركز المرضي على الذات الجماعية"المتخيلة"، لا على الذات الحقيقية التي يمكن مقاربتها عبر جملة من الاحصائيات والوقائع القابلة للتمحيص والتثبت العقلاني.
-خرافة "العائلة الديمقراطية" التي تنحصر وجوبا وحصريا في القوى العلمانية وتنبذ كل التشكيلات السياسية الاسلامية بصرف النظر عن مواقفها من الدولة ومن القوانين المنظمة لاشتغالها. فتلك الخرافة التأسيسية تقوم على الاعتراف فقط ب "ديمقراطية الشبيه والمجانس"(أي العلماني)وترفض الاعتراف بإمكان أن يكون المختلف (اي الإسلامي ) ديمقراطيا هو الاخر. فمن اللامفكر فيه عند النخب"العلمانية" أن يكون الإسلامي ديمقراطيا (او قابلا للدخول في صيرورة دمقرطة جدية) وذلك لأن تلك النخب تصر على إدارة علاقتها بالاسلاميبن من المنظورات الايديولوجية التقليدية، تلك المنظورات التي يمكننا أن نقول بأن منبعيها الاساسيين هما خرافة الاستثناء الإسلامي وخرافة الاستثناء التونسي ( النمط المجتمعي).
الخلاصة: مادامت النخبة العلمانية محكومة -إراديا أو بصورة لاواعية- بخرافتي الاستثناء الإسلامي والاستثناء التونسي فإنها ستكون من أهم أسباب العطالة في الحقل السياسي المؤسس للجمهورية الثانية ،بل ستكون من أهم أسباب الارتداد إلى الزمن السياسي الدستوري-التجمعي المهيمن على الجمهورية الأولى…وما قطعُ الطريق عن المرزوقي او اعادة صنم "الزعبم" الى شارع الثورة عنا ببعبد.