في عهد بن علي عرف محسن مرزوق اول انقلاباته على تاريخه اليساري (و لكن هل كان ذلك فعلا انقلابا ام تطورا طبيعيا لمقولات اليسار الثقافوي وخياره الاستراتيجي في التحالف مع النظام النوفمبري باعتماد منطق التناقض الرئيس والتناقض الثانوي؟) فأصبح عضوا في المجلس الاقتصادي والاجتماعي الاعلى بدعوى محاولة "تصحيح" النظام من الداخل، ثم "طور"كفاءاته "النضالية المعادية للإمبريالية واشتغل في عدة منظمات مدنية تحت غطاء فريدوم هاوس وبالتعاون مع "الحركة التقدمية" في قطر برعاية الشيخة موزة .
بعد الثورة، قدمته الآلة الدعائية"النوفمبرية"(ومعه أغلب من سيكونون قيادات نداء تونس الوريث الشرعي للتجمع) باعتباره خبيرا في الانتقال الديمقراطي(بالطبع لا تسألوا عن عدد "الثورات" التي شارك محسن مرزوق في ترشيد مسارها الانتقالي، فهذا سؤال لا معنى له عند منتحلي الصفات ولا عند من يقف وراءهم في غرف العمليات المسيطرة على الإعلام )، ثم أصبح ناشطا مدنيا وإعلاميا يُعلن خروجه من"قلم الثورية" إلى "قلم النيو-تجمعية (باعتماد الرؤية) قبل أن يستأنس بالحساب ليرى يقينا هلال عيد للنمط في"قلم السبسية" ، ذلك "القلم" الذي سيعيد انتاج "التجمع" لكن مع تغيير نواته الصلبة في اتجاه تغليب مكونات اليسار الثقافوي المرتد عن الصراع الطبقي،بل الذي لا وظيفة له إلا الحراسة الايديولوجية لمصالح البرجوازية اللاوطنية تحت شعار "حماية النمط المجتمعي".
ولما رآى"صاحب الدم الاحمر" جهارا أنه وكل اليسار الثقافوي لم يكن إلا قنطرة عبور اعتمدتها المنظومة القديمة لإعادة وكلائها التقليديين إلى واجهة السلطة ،اخترع لنفسه"مشروعا" هو أقرب إلى المشروع التجاري المرتكز على خرافات النمط ورساميله الرمزية البائسة منه إلى أي مشروع سياسي وطني حقيقي.
لا شكّ أننا نحتاج إلى خبراء في فضح "الخبراء المزيفين"، ولكننا نحتاج قبل ذلك إلى خبراء في نقض"الثورة المضادة" وتحديد آليات اشتغالها …ولن تجدوا عينة بحثية أفضل من محسن مرزوق بتقلبات تاريخه الانتهازي وحاضره المشبوه : من أقصى اليسار "الثقافوي" لخدمة مساره الشخصي ذي الأفق البرجوازي، إلى اليمين الليبرالي لخدمة المسار الثوري المضاد ذي الأفق الأسلاموفوبي الذي لا هدف له إلا إعادة إنتاج المنظومة الحاكمة قبل 14 جانفي 2011 وتأبيد هيمنة نواتها الصلبة ذات التركيبة الجهوية-المالية-الأمنية المعروفة(مع تعديل جزئي في مستوى آليات شرعنة السلطة وفي مستوى القاعدة الزبونية-الجهوية للنظام الدستوري-التجمعي.(