من باب التدقيق المفهومي، أعتقد أن علينا الحديث عن الفصل بين الحزبي والديني (وهو ما يجب أن نطالب به كل الأحزاب وليس حركة النهضة فقط، فلا يمكن أن ننسى التجاء أغلب مكونات "العائلة الديمقراطية" إلى الزوايا للتعبير عن تمثيلها للإسلام "التونسي"، بل اعتماد هذا النمط الديني أداة للتحشيد الحزبي وللدعاية الانتخابية).
أما الفصل بين الدين والسياسة فهو مجرد مغالطة وسفسطة لأن الفصل بين الديني والسياسي يفترض منطقا علمانيا صريحا، أي يفترض حيادية الدولة وأن تترك الحسم في المسألة الدينية للمتدينين، كما أن عليها أن تترك لهم حرية التصرف في فضاءاتهم عبر من يختارونهم هم وليس عبر من تختارهم أجهزة الدولة ممثلة في البوليس العقائدي الذي هو أقرب إلى التكنوقراط العلماني منه إلى رجل الدين (كوادر وزارة الشؤون الدينية التي كانت مجرد ملحق "ديني" بوزارة الداخلية والتجمع في عهد بن علي).
ولو شئنا الوضوح أكثر لقلنا إن الفصل بين السياسي والديني هو مطلب مستحيل في ظل دولة ترفض الاعتراف بأنه لا يحق لها احتكار "سوق النجاة الأخروية"، كما لا يحق لها أن تدعي امتلاك المعنى الأوحد للدين "الصحيح" والمعترف بشرعيته وقانونيته. فمع استمرار وصاية الدولة على الحقل الديني سيكون كل حديث عن الفصل بين السياسة والدين مجرد "خرافة" أخرى تنضاف الى الخرافات المؤسسة للنمط .
• هل يقبل "العلمانيون" بفصل الدين عن السياسة حقا وهم يصرون على هيمنة الدولة على المنابر الدينية وعدم حياديتها في هذه المسألة؟
• هل الإسلاميون هم فقط من يرفض "علمنة" الدولة واقعيا -باعتبار العلمنة هي حيادية الدولة في الشأن الديني وليس عداؤها للدين بالضرورة كما هو رائج نتيجة السمعة السيئة للعلمانية على النمط الفرنسي-؟
• هل نحتاج فعلا الى وزارة للشؤون الدينية (هي في أصل نشأتها جزء من وزارة الداخلية)
ام نحتاج الى إدارة الشأن الديني عبر مؤسسات مدنية تعكس الواقع الديني المعيش أكثر مما تعبر عن استراتيجيات النخب المعلمنة لتدجين الدين واستلحاقه بمنظوراتها التغريبية المؤدلجة؟
إنها أسئلة يجب أن نحاول الإجابة عنها بعيدا عن "تشنج الهويات" على حد عبارة أحمد ونيس قدس الله سره.