كل يوم أزداد يقينا أن الأزمة في تونس هي حقا أزمة أخلاقية. فالانفصام وازدواجية المعايير والفجور في الخصومة هي أكثر الأشياء قسمةً بالعدل بين المتصارعين على إدارة الشأن العام. عندما أرى الإسلاميَّ الذي ذهبت نفسه حسرات مما لحقه من ظلم واختلاق واستهداف منظّم من لدن القوى الشيو-تجمعية زمن بن علي، عندما أرى الإسلامي-أو المتعاطف معه- يسارع إلى إعادة إنتاج ذلك المنطق نفسه عندما يكون ضحيته هو غريمه الإيديولوجي التاريخي، فإنني أستطيع أن أجزم بكل ثقة أنّ الفرق الجوهري بين الأغلب الأعم من اليساريين والإسلاميين هو فرق في المواقع والمنافع وليس فرقا في القيم والأخلاق.
عندما أرى ملكة النقد تتعطل، عندما ينسى الإسلامي قوله تعالى:" ولا يجرمنكم شنآن قوم(أي بغض قوم وكراهيتهم) على ألاّ تعدلوا اعدلوا هو أقرب للتقوى"، وعندما ينسى الإسلامي قول نبيه عليه الصلاة والسلام:" كفى بالمرء إثما أن يُحدّث بكل ما سمع"، وعندما ينسى أنه كان الضحية الأساسية لهذا المنطق البائس لعقود طويلة-ومازال ضحيتها حتى بعد الثورة- ، عندما ينسى الإسلامي ذلك فإنّ أفضليته الأخلاقية المفترضة تصبح مجرد خرافة، ويكون عليه أن يُسلّم بأنه-مثل عدوه وضديده اليساري- مجرد منتج سيء من منتجات "النمط المجتمعي" التونسي، كما أن عليه أن يقتنع بأن "منظومته الأخلاقية" المتخارجة عن السائد في بلاد النمط ما هي إلا خرافة أخرى من الخرافات التي تنضاف إلى رصيد بلاد التررني.
لنفترض جدلا-أو عبثا- أن المتهم في قضية التحرش الجنسي بالفتيات القاصرات كان إسلاميا -أو قريبا من الإسلاميين ومتعاطفا معهم- هل كان هؤلاء المشيطنون للقيادي في حزب العمال (وفي المكتب التنفيذي للاتحاد العام لطلبة تونس) سيتصرفون بهذه الطريقة نفسها؟ ألم يكونوا سيدعون إلى الدفع بقرينة البراءة الأصلية وإلى ترك الأمور للقضاء؟ ألم يكونوا سيتحولون جميعا إلى فقهاء في القانون يميزون بين المشتبه فيه والمتهم والمجرم؟ ألم يكونوا سيشككون في الروايات السائدة في مواقع التواصل الاجتماعي وسيعتبرون ذلك جزءا من حملة مغرضة على المتدينين بل على الدين ذاته؟ ألم يكونوا سيضعّفون رواية ذلك اليساري الذي أصبحت شهادته محل تقديس ولا تقبل التشكيك( أليس من الممكن أن تكون بينه وبين المشتبه فيه ضغائن شخصية او صراعات حزبية؟)؟ ألم يكن الإسلاميون -في أسوأ الأحوال-سيدعون إلى فردية الجريمة وإبعادها عن كل توظيف سياسي؟ ألم يكونوا سينزهون قياداتهم وشيوخهم عن التدخل لفائدة هذا المشتبه فيه؟ ألم يكونوا سيدعون إلى عدم التأثير في مسار القضاء والابتعاد عن أعراض الناس؟
إنها أسئلة أسوقها من الناحية المبدئية، لأنني أرفض أن أكون صدى لأصوات لا أعرف مأتاها ، كما أرفض أن أكون شاهد زور أو حكما في أمر لا أملك فيه إلا هذه الضوضاء التي لا دين ولا أخلاق لها.
ملاحظة: صاحب هذا النص لا يدعي أية طهرانية ولا أي تميز أخلاقي وسلوك تقوي، ولكن صاحب هذا النص يسعى-ما طاوعته العبارة- إلى أن يقول بؤسه وبؤس غيره بلا مجاز ..وصاحب هذا المقال لا يزايد عليه إلا القليل في نقض المنطق الشيو-تجمعي وكشف تناقصاته وتهافته الأخلاقي والمعرفي..فأرجو الابتعاد عن المزايدات الفارغة.