البلاد لا تتطوّر لأنّهم لا يتطوّرون.. ولا يتطوّرون لأنّهم لا يفهمون التاريخ.. رغم أنّهم يدّعون احتكار فهم التاريخ…
هذا محمّد الشرفي وزير تربية بن علي في أوّل عهده.. وتصريحه هذا هو ورقة اعتماده قدّمها بين يدي بن علي فاستعمله بن علي على التربية وأطلق يده بمشروع إصلاح تربويّ تنويريّ وعهد إليه بهندسة سياسة تجفيف منابع التديّن التي كان يَرِدُها الإسلاميّون تُجّار الدين.. استقام مبنى الإصلاح التربوي بينما بُعث الإسلاميون الظلاميون وراء الشمس والبلاد تمنّي نفسها بإشراقة عهد التقدّم الرقيّ.
لمّا أتمّ الشرفي مهمّته عزله بن علي بعبارة (دُعِيَ إلى مهامّ أخرى) واستعمل على وظيفة التربية وزيرا غيره.. وظهر الشرفي ينقد، في أدبٍ، بن علي وينفي عنه الديمقراطية بعد أن كان يمدحه…
وشهدت التربية ما ترون بها الآن من انحدار.. لا التنوير تحقّق ولا الإسلاميون اختفوا.. ما جنينا غير ضياع العمر في انتظار ما لا يأتي.
مات محمّد الشرفي رحمه الله وغفر له.. وخُلع بن علي وتوفّاه الله.. وعاد الإسلاميون الرجعيون الظلاميون الذين هم خطر على الديمقراطيّة.. وفازوا في جميع الاستحقاقات الانتخابيّة.. وعاد أتباع محمد الشرفي يرددون أقواله في الإسلاميين لا يجدون غيرها.. فهم لا يملكون بضاعة غير تلك الأقوال يتقرّبون بها إلى رئيس جديد يرون فيه نسخة من بن علي.. يقولون فيه: (بن علي يستمدّ شرعيته من الانتخابات)... مع تغيير ما يجب تغييره.
محمد الشرفي كان حقوقيا محبّا للحقّ، قال جملتين:
1. بن علي يستمد شرعيته من الانتخابات.
2. الإسلاميون خطر على الديمقراطية.
بقايا محمد الشرفي من اليسار الوظيفي الآن لا يقولون غير الجملتين السابقتين مع تغيّر طفيف:
1.سعيّد يستمدّ شرعيته من الانتخابات.
2.الإسلاميون خطر على الديمقراطية.
ومع زيادة منسوب إسفاف كان الشرفي يترفّع عليه لأنّه مثقّف.. أمّا بقاياه فسوقة ورعاع.
اليسار الوظيفيّ معشّش في التربية والثقافة والصحافة والإعلام وفي النقابات وفي النوادي، والمعارض، والمسارح، والمؤتمرات.. وفي قصر قرطاج يراقبون الرئيس الذي يستمدّ شرعيته من الانتخابات يحصون عليه حركاته وسكناته يعيّنون له ويعزلون.
لحظتان وجُملتان (مديح الرئيس ومهاجمة الإسلاميين) … الفرق بينهما أن بن علي كان معه محمد الشرفي الرجل المثقّف.. أمّا قيس سعيّد فليس معه أعلى من مايا الكسوري.. ومايا لا ترقى إلى مقام تلميذ يمسك قلما ليكتب أفكار الشرفي ويحفظها لإجراء امتحان قد يخفق فيه.. في سياق تداعيات خلع الرئيس الذي كان يستعمل الشرفي تعيينا وعزلا.
التاريخ لا يريد أن يعيد نفسه ويخسر من عمره ربع قرن في عبث مايا وأخواتها بجملتين محفوظتين من كراس محمد الشرفي الأصفر.