لست أتحدّث في لمين النهدي ولا في تمثيله.. لم أتابعه ولم أشاهد له، تقريبا، من أعماله إلّا القليل من القليل.. ولا يعنيني صعوده ولا هبوطه.. ولا نجاحه ولا فشله.. ولم أشاهد حتى مسرحيته الشهيرة المكّي وزكيّة التي كسب بها شهرته وجاب بها الآفاق حتّى استعمله فيها باعة "الغبرة" التوانسة في إيطاليا لقاء أجر خرافيّ حسب ما حكاه كاتب نصّها المنصف ذويب.
لم أشاهد من مسرحية "نموت عليك" سوى لقطات وجيزة لا تمكّنني من بناء موقف منها ولا من ممثّلها. ولكنني شاهدت تصريحات رجال ونساء من الجمهور الذي جاء لمشاهدتها وقد اتفقت غالبية هؤلاء على انحدار مروّع ظهر عليه الرجل وتحدثوا عن تهافته وسقوطه في مباشرة لم يكن المشاهدون في حاجة إليها.. وقد أبان كثير من هؤلاء وعيا وفهما.. وبدا لي أنّهم ليسوا جمهورا ضاحكا فقط ولكنّه جمهور واع يدفع المال لأجل المتعة.. ولا يقبل بأن يكون ضحية احتيال.
وقد أجمعوا تقريبا على انتفاء المتعة من المسرحية.
يبدو أنّ الرجل قد صعد على ركح المسرح ليردّد على مشاهديه ما يسمعونه في معهود أيّامهم في الشارع والمقهى، وتردّده بلاتوهات التلفزيون من انتقاد فجّ للسياسة والسياسيين.. وقد فهمت من كلامهم أنّ لمين النهدي جاء ليسخر من المشاهدين بسلب أموالهم منهم دون أن يقدّم لقاء ذلك عرضا مسرحيا ذا قيمة.
بهذا الفهم كانت المسرحية محاكاة مباشرة لما اعتاد الناس على رواجه في حياة التونسيين اليومية.. وليس هكذا يكون المسرح. بهذا الاعتبار يكون الجمهور حَكما صارما لا يتسامح إذا جعل منه الفنّان موضوعا لسخريته.
قد يكون الجمهور، في تقويمه قاسيا، ولكنّه بدا جمهورا واعيا شبيها بجمهور السياسة الذي لا يرحم السياسيين إذا أخفقوا.. ولا شك أنّ الفنّ سياسة مثلما أنّ السياسة فنّ. جاء لمين النهدي يعبث بالسياسيين على ركح مسرح قرطاج فتركه الجمهور وخرج ليعبث به عبثا مدمّرا.
ملاحظة: شهد الناس، في السنوات الماضية، معركة حامية بين لمين النهدي ومنصف ذويب بسبب الفلوس.. ويبدو أنّ المصالحة بينهما قد أنتجت مسرحية "نموت عليك" كتبها المنصف ذويب للمين النهدي..
فهل يكون ذويب "المهف" قد جعل في ما كتب فخّا أوقع فيه لمين؟ هل يكون صنع انتقاما هادئا من لمين لعلمه بأنّه أحمق يسهل استدراجه إلى نهايته حتّى يستخلص منه "القديم و الجديد"؟
لعلّ وعسى ! مش عسى وكلّا.