شاهدت حواره مع الإعلامي المدعوّ حمزة البلّومي صاحب العبارة الرنّانة "الكتب آش نعملو بيها؟"، وخرجت ممّا شاهدت بالنقاط التالية:
1. هذا الإعلامي سطحي سخيف لا فهم لديه ولا منهج ولا أراه أهلا لمحاورة رجل في مقام عياض بن عاشور… قصارى ما يمكن ذلك الإعلاميّ الصغيرَ فعلُه أن يفجّر قنبلة اسمها بلقاسم ليكون بلقاسم أداة لتفسير سلوك التونسيات والتونسيين مدّة من الزمان.
إذا رأيت شخصا فرِحًا فابصم بالعشرة على غباوته ولا تستثنِ.. وهذا الطفل شديد الفرح وآية فرحه صدوره عن جوفه عند الكلام.
دعك، إذن، من الغثاء .
2. بن عاشور تحدّث في موضوعين رئيسين:
• تحدّث في الانقلاب على الدستور وبيّن بطلان تأويل قيس سعيّد للفصل 80 منه وقضى ببطلان جميع ما بُني عليه… وشرح فساد الأمر عدد 117 في الشكل وفي الجوهر معًا… تحدّث حديثَ مختصّ خبير يقول كلاما علميًّا واثقا لا يرقى إلى فهمه غيرُ رجل قانون ديمقراطي يحترم عقله ويقدّر عقول غيره.
• تحدّث في العشرية السابقة وأبدى موقفه الجذريّ الرافض لحركة النهضة ولكلّ الإسلام السياسيّ. العشرية السابقة في فهمه كانت نتيجة لما نشأت عليه أوّل مرّة من الهيأة التي كان يشرف عليها وممّا جاء بعدها من نواب المجلس الوطني التأسيس الذين انتخبهم الشعب وعبّر عن إرادته في انتخابهم.
وقد حمّل حركة النهضة مسؤولية كبرى على ما آلت إليه البلاد في حديث أراه مكرورا لا يتجاوز لزوم " ما يطلبه المستمعون". ذلك أنّه لم يبيّن حججه على مسؤولية الحركة خاصّة في قصّة الجهاز السرّي والاغتيالات.. وأراه تورّط، وهو العالم، في إدانتها بلا دليل ولا حكم قضائي مثلما يفعل العوامّ. وما كان ينبغي له.
و قد قرأت من ضعف حججه أنّه، وهو الديمقراطيّ الصميم، إنّما تكلّم بذلك ليرضيَ الإعلاميّ الذي بين يديه وجمهور "الديمقراطيين" الذين يرون تناقضا جوهريّا بين النهضة بمرجعيتها الدينية وبين الديمقراطية.
هل عياض بن عاشور رجل ديمقراطي؟
أجل، هو ديمقراطيّ ليبراليّ صميم.
ولأنّه ديمقراطيّ فقد ردّ الأمر إلى حرية الشعب في صوغ اختياراته بما يعني أنّه ليس من حقّ أيّ كان أن يصادر حرية الناس في أن يختاروا من يحكمهم.
من حقّه أن يرى وجوب الفصل بين الدين السياسة.. الرجل لم يكفر.. وليس لأحد أن يقيس الناس بمواقفهم من الدين. ولو عرف العرب الفصل بين الدين والسياسة لما كان لهم هذا المصير.
على أنّ حديثه عن الدين كان شعبويّا بلا معنى لأنّ حركة النهضة لا تتاجر بالدين، كما قال أكثر من مرّة، ولا أحد يملك أن يتاجر بالدين.. وقوله هذا يتناقض مع ما لاحظه من معاقبة الشعب لحركة النهضة في الاستحقاقات الانتخابيّة المتتالية. ومعاقبة الشعب لها دليل على أنّ التجارة بالدين باتت، في تونس تجارة كاسدة ولا معوَّل عليها لتاجر. وإذن فما مشكلتك مع تاجر منافس يبيع تجارة لا رواج لها؟
الحديث عن الاتّجار بالدين إنّما يصدر عن نخبة متعالية على الشعب تستهين بوعي الناس وترى فيهم ضحايا يسهل قيادهم بالتظاهر بالتديّن. على أنّ السيد عياض بن عاشور لو وسّع نظره قليلا لأدرك أنّه ليس في العرب مثل حكّامهم اتّجارا بالدين.
أليس أنّ الحاكم العربيّ هو أكثر الناس متاجرة بالدين في محاولة لمصادرة الديني بعد مصادرة الزمني؟ وعليه فأسهل الطرق إلى النهوض هو تحرير الدين من السياسة وتحرير السياسة من الدين، لأنّه ليس أكثر متاجرة بالدين من حاكم منقلب متغلّب يفسد على الناس معاشهم ومعادهم.
3. وأشار إشاراتٍ ثلاثًا:
- الأولى: قوله إن نظام الاقتراع الذي وضعته هيئته قد حال دون فوز حركة النهضة بـــــ 80 % من الأصوات في الانتخابات.
- الثانية: قوله، رغم إشادته باتحاد الشغل، إنّه من أنصار التعدّدية النقابيّة ومن الداعين إليها… الرجل ضدّ الرأي الواحد ويضيق بالدكتاتوريات جميعها بما فيها الدكتاتورية النقابية.
- الثالثة: قوله إن الثورات رسائل بعديّة تفتح أبوابا على المستقبل… بعد قرن أعطت الثورة الفرنسيّة أكلها… قوانين الثورات لا تراعي انتظارات الذين يتعجّلون ازدراد الطعام مع طلائع البخار الأولى.