صدّر الروائي الكبير عبد الرحمان منيف رائعته (الآن وهنا أو شرق المتوسّط مرّة أخرى) بنصّين تراثيبن قصيرين، يقول أوّلهما: روى ابن عبّاس عن النبي أنّه قال: أُدخلت الجنّة فرأيت فيها ذئبا فقلت أذئب في الجنّة؟ فقال أكلتُ ابن شرطيّ فقال ابن عبّاس هذا وإنّما أكل ابنه فلو أكله رُفع في عليّين . أمّا الأثر الثاني فجاء فيه: ((رُوي عن سفيان الثوريّ: إذا رأيتم شرطيًّا نائما عن صلاة فلا توقظوه لها فإنّه يقوم يؤذي الناس)).
أخطر قانون يمكن أن يصادق عليه برلمان الشعب هو قانون زجر الاعتداء على الأمنيين.. بل إنّ مشروع القانون يرقى إلى جريمة في حقّ الشعب…
أوّلا: الناس جميعهم ضدّ الاعتداء على أيّ كان من أيّ كان.. إذ ليس لأحد أن يعتديَ على أحد.
ثانيا: الأمنيون شأنهم شأن غيرهم من المواطنين.. ليسوا أفضل من غيرهم حتّى يُسنّ لأجل حمايتهم قانون ولا يُسنّ لغيرهم.. لهم حقوق وعليهم واجبات ولا معنى لزجر من يعتدي عليهم دون زجر عدوانهم على سواهم.
ثالثا: أنا أرى، عكس ذلك، أنّنا في حاجة إلى قانون يحمي المواطنين من الأمنيين، إذ الأمنيون هم حملة السلاح ومنه يستمدّون قوّتهم، أمّا المواطن فلا سلاح لديه، ولا معنى للحديث عن اعتداء مواطن أعزل على أمنيّ مسلّح.
رابعا: رجال الأمن لم يلتحقوا بعد بالثورة ولم يعترف كثيرون منهم بالحريات.. لا تزال روح بن علي تسري فيهم.. ولا تزال صورة كمال المطماطي ماثلة في الأذهان نتساءل في أي جسر دفنه رجال أمن دولتنا في زمن الدكتاتورية.
خامسا: الشعب صرخ في ثورته: وزارة الداخلية وزارة إرهابية.. ولا تزال الصرخة قائمة ورجال الأمن، إلّا قليلا، لم يُشفوا من العنف الذي تعوّدوا على ممارسته ضدّ المواطنين بدون وجه حقّ.. وإن صدر قانون لصالحهم فسيكيّفونه لاستئناف إجرامهم الذي عُرفوا به.. وسيفعلون الأفاعيل وسيعبثون بالناس تحت حماية القانون.
سادسا: الذي تقدّم بمشروع هذا القانون إنّما يمارس فعلا ثأريا ضدّ الثورة التي ردّت رجال الأمن إلى أحجامهم البشرية بعد أن حوّلتهم الدكتاتورية إلى غيلان متوحّشة تبطش بالإنسان…
الإنسان في حاجة إلى الحماية أمّا رجال الأمن فأيديهم على الزناد والزناد يكفيهم.. أفندعم الزناد بالقانون؟