رغم دعم المنقلب المصري له فقد انتهي. انتهى رغم كفالة النظام الإماراتي له . انتهى ولم ينفعه كتفا عمانوئيل ماكرون يلثمهما كليهما . والله لقد انتهى والله لقد انتهى. لن تقوم له، بعد اليوم، قائمة. ولن تنفعه أسلحة الدولة استولى عليها ليستقويَ على الشعب بها. ولن تنفعه صفة القائد الأعلى التي سال لعابه لها. ولن تنفعه ليلى الحدّاد ولا هيكل المكّي طمعُهُما فيه أكثر من نفعٍهٍما له.
ولن ينفعه زهير المغزاوي ولا عبيد البريكي عجزا عن أصوات الناس فرضيا بصوته يصرخ لهما وسيزولان بزواله. ولن ينفعه الصادق بلعيد ولا نظيره الذي لم أستطع حفظ اسمه ولا أحبّ البحث عنه في غوغل لأنّه لا يستحقّ.
ولن تنفعه هيأة المناشدات التي انتدبها لتدبّر له تزوير الأصوات. ولن تنفعه سياسته الخبيثة: يخفي الموادّ من الأسواق حتى إذا خشي الناس على حياتهم أظهر لهم موادّ معاشهم بعد مضاعفة أسعارها لتمويل انقلابه من جيوب الفقراء.
ولن تنفعه سياسته في تجويع الناس لتركيعهم. ولن تنفعه حيلته التي بدأ بها مسيرة حكمه السوداء: أخفى الدواء عن المرضى حتّى مات من الشعب الآلاف ليقول، بعد انقلابه، إنّه نجح في ما فشل فيه سواه.. ستزول غمّتُه وسيراه الناس على حقيقته مجرّدا من مساحيقه الحادثة: لقد كان، بحقّ، قاتلا.
لم ينجح المنقلب في شيء كما نجح في إحياء الشارع الديمقراطيّ وتوحيد صفوف الديمقراطيّين.. هذا الشارع البهيج الذي يخرج في كلّ مرّة ليمسح الدرن الذي يبقيه خفافيش الانقلاب ويزيل آثار قبحها من الطرقات ويمحو بذاءاتها ويزيل سوءاتها وينظّف الأرض من قذاراتها.
من كان يدري أنّ الأستاذ أحمد نجيب الشابيّ سيحيّي بصوت عال المهندس حمّادي الجبالي ويشيد به؟ من كان يتوقّع أن يلهج الأستاذ جوهر بن مبارك بتحيّة رئيس برلمان الشعب الشيخ راشد الغنّوشي باسمه وبصفته؟
من سمع، من قبل، من خارج حزب النهضة بزينب براهمي وبمنذر الونيسي؟ صوتان ظهرا بعد الانقلاب ليطّلع التونسيون على أنّ لهم أصواتا لا يعرفها الناس، ولكنّها أصوات عاقلة شجاعة تعرف ما تقول وكيف تقول.. تنطق فيسمع الناس لها ويفهمون من قولها كما لا يفهمون من منقلب لا فكر له ولا بيان.
الآن صار للديمقراطية شارع طويل عريض نوعيّ مقاوم عنيد لا يخشى في الديمقراطيّة قمعا ولا يهاب كبتا.. شارع عظيم ينصر الديمقراطية نصرا غير مشروط.. مواطنون يشدّون الرحال إلى الوقفات.. جاؤوا من كلّ ناحية من نواحي الجمهورية.. جاؤوا في الحّر وفي البرد. وجاؤوا تحت حرّ الشمس وتحت هطول المطر.
جاؤوا ليدافعوا عن بلدهم ضدّ منقلب "غشيم" غرّته المكانة فسعى في تخريب المكان والعبث بالإنسان وتلويث الفضاء. جاؤوا من بعيد البعيد ليقولوا: لا نريدك ولا نقبل بك بعد اليوم حاكما علينا بمقتضى الأمر الواقع.. أنت واقع نعم، ولكنك واقع عفن عنيف لا تبشّر أحدا بخير.
جاؤوا ليشهدوا حلقة فاصلة في معركة استرداد الديمقراطية من المنقلب عليها واسترجاع الدولة من مختطفها بقوّة سلاحها. جاؤوا من كل مكان ليكونوا شهودا على أنّ للديمقراطية شعبا عاقلا نظيفا محبّا لبلاده يقف وقفة حازمة في وجه منقلب رديء بذيء عاجز عَيِيّ يظنّ أنّ الاستيلاء على سلاح الدولة كاف ليجعل من الشعب قطيعا يسوقه أمامه.
الشارع الديمقراطي لا يخاف ولا ينثني، بل يُقدم إقدام الشجعان ولا يتولّى أمام منقلب لا يرعوي، منقلب لو كان باستطاعته أن يقتل الناس لما تردّد لأنّه لا يملك عقلا يردّه ولا خُلقا يصدّه.. هذا المنقلب أهوج لا يرعى ذمّة، ولكنّ في الدولة عقلا يعرف الحساب ويفهم أنّ هذا الشخص كيفما قلّبته لا يصلح لشيء ولا يستطيع إقناعا ولا يقدر على نفع…
المنقلب وقح وقبيح، ولكنّ وقاحته وقبحه كانا، رغم أنفه، مصلًا استفزّ بدن الديمقراطية فاستنفر مضاداته ليدافع عن نفسه ضدّه.
الثورة لم تكن عبثا والمؤسسات التي أقيمت منذ عشر سنين لم تكن بناءً يسهل هدمه. الآن في هذا الحرّ الشديد تأتي الجموع الهادرة لتقول للمنقلب: "كفاية" (Basta ) فقد كنتَ قاعَ القبح في هذا الوطن الذي تعلّم بنوه عشق الجمال.. وسيدافعون عن الجمال.. وطنِهم.
الآن اشتدّ عود مقاومة الانقلاب ولن يفلت المنقلب بجريرته ولن يغفر الشعب له تجويعه لتركيعه.. صار لتونس جبهة وطنية لخلاصها اجتمعت من فرقاء لم يكونوا ليلتقوا لولا هذا المنقلب الأحمق الذي أثبت بصنيعه أن لا علاقة له بالشعب التونسيّ…
الشعب التونسيّ الذي فجّر ثورة أسقطت دكتاتورا بحجم بن علي لن يعجز عن صناعة مقاومة تدحر منقلبا ظلّ عمرَه مختفيا في العتمة يحصي مكافأة نالها على توظيفه لفتوى في التمديد كانت مقدّمة لجريمة مناشدة أثارت في الشعب النخوة بالثورة.
نستبشر بجبهة الخلاص الوطني التي تنتصر للديمقراطية وتحمي الحرية وترمّم صدوع المسار الديمقراطيّ الذي حاربه أعداؤه بكلّ وسيلة فكان هذا المنقلب ثمرة انتصارهم عليه وما كانت الثمرة سوى حنظل.
تحيّة لفرسان مواطنون ضدّ الانقلاب. تحية لشعب الشارع الديمقراطي الذي يلبيّ، كلّما دُعيَ، النداء. تحيّة لأعلام المبادرة الديمقراطيّة ورموزها. تحيّة للأستاذ أحمد نجيب الشابي ولجبهة الخلاص الوطنيّ. عسى أن يكون الخلاص من هذا المنقلب الرديء قريبا.