الرجل قُتل.. أنا أدعو الله أن يرحمه لأنّ رحمة الله وسعت كلّ شيء، والمرحوم لا يخرج عن الكلّ الموسوع برحمة الله. قُتل ظلما وعدوانا؟ إي نعم. ولكنّ قتله كان خطّة محكمة لإحباط حلم أجيال عديدة قريبة وبعيدة، ولعلّه ذهب ضحيّة حلم جمعه إلى غيره من أبناء نِحلته وأبناء النِحل الأخرى التي تعارضه.
قُتل شكري بلعيد وكُفّن قاتلُه ودُفن معه في قبره ليظلّ جرحه ينزّ يستعمله بعض التونسيين ضدّ بعض في كربلاء لا يراد لها أن تزول.. ونواح دائم مشتمل على الوطن. الذي قتله كان يخطّط لهذا الذي نحن فيه: مجاعة وقهر وعبث وخراب عمران.. ومناخ حرب أهليّة في طور قوّة تنتظر تفعيلا.
لو كان اليسار، سنة2013، في الحكم لربما كان الضحيّة من التيّار الإسلامي ولكان زعماء اليسار الحاكم بمقتضى سياسة الانتقال الديمقراطي، الآن، في السجون في مقام علي العريّض.
الذي دبّر قتل شكري بلعيد إنّما كان يخطّط لسجن علي العريّض.. فالتونسييون لا يخرجون عن قتيل أو سجين. هي لعبة مدبَّرة بين أبناء الوطن لتتناسل فينا الأزمات وينتهيَ الأمر بالتونسيين إلى أن تكون غاية غاياتهم علبة حليب أو كيسا من دقيق.
مقتل شكري بلعيد كان رصاصة وُجّهت بعناية إلى الجسد التونسيّ كلّه.. رصاصة كان منتظَرا منها أن تصيب الجيمع دون استثناء، الحاكمين والمعارضين.. وغيرهم. مقتل شكري بلعيد كانت مقدّمة لكلّ هذا العبث الذي تقاسيه تونس..
منقلب يختطف دولة بكاملها ينكّل بسكّانها.. يطاردهم.. يمنعهم أبسط حاجاتهم ويشتمهم على الشاشات كما لو كان مأمورا بمعاقبة الشعب الذي انتخبه. الذين يكتبون شعرا في شكري بلعيد كما لو أنّه المسيح أو حمزة بن أبي طالب أو الحسين بن علي، والذين لا يرون فيه غير قتيل اختارته أيادي المخابرات بعناية، جميع هؤلاء مصلوبون على صليب واحد، ولكنّهم لا يعلمون.
انزعوا نظّارات العمى سترون أنّكم، جميعا، في مرمى مدفع واحد لا يفرّق بينكم. يقتلون بعضكم بأيدي بعضكم ليضيع دمكم، جميع دمكم، بينكم، ولكنكم، يا قوم، لا تعقلون.