الاتحاد في نسخته الراهنة هو صنيعة بن علي بلا زيادة ولا نقصان، على مستوى قيادته المركزيّة على الأقل. الاتحاد، منظّمةً رصينةً ذات مكانة، انتهى بذهاب الحبيب عاشور.. ما بعد عاشور هو مجرّد رافعة للسلطة و "محلّل" لها.
أغلب القياديين النقابيين الذين جاؤوا من بعد عاشور هم بين مخبرين وجهلة أميين.. خدَم بن علي لا يصافحونه إلّا في انحناء. بن علي كان جاهلا، ولكنّه كان خبيثا.. ولأنّه كان خبيثا فقد منع الاتحاد من أن تكون له قيادات مثقّفة أو عالية التعليم قد تتعالى عليه يوما.. حتّى لا يهزؤوا به فقد سوّاهم به... لذلك صنعهم ليكونوا في مرتبته أو دونها.
تجد بعض المتعلّمين في الوطد وحزب العمال والقوميين الذين انتهوا إلى احتكار الزعامة النقابيّة، ومع هؤلاء فصيلة من الأميين ممن لم ينالوا الشهادة الابتدائية أطلقت عليهم تسمية العاشوريين من قبيل عبد السلام جراد ونور الدين الطبّوبي.. كأنّ عاشور لا يرثه إلّا جاهل محدود التعليم.. وقد جُعلت الأمانة العامّة في هؤلاء غالبا.
ولأنّ العلم يرفد العقل ويرفع الأخلاق فإنّك لا تكاد تجد لدى هؤلاء رجاحة عقل ولا رفعة خُلُق.. لذلك لا تسمع منهم غير التهديد والوعيد، وإذا تحدّث متحدّث منهم لم تسمع منه أكثر من "تكسير العظام" و"ما احناش كُرّاي" و"المطرقة والسنجاب" و"عسى وكلّا".. وهلمّ جرّا…
الجهل أعدل الأشياء قسمة بين قيادات الاتّحاد العليا.. والجاهل متى وجد مالًا طغى ومتى تمكّن من السلطة توحّش.. والاتحاد لديه من الأموال ما لا يحصيه عدّ.. تخيّلوا أنّ الطبّوبي بما عُرف به من جهل يمضي في جوازات سفر خاصّة حمراء اللون يهبها لمن يشاء ولا يعرف بها أغلب أبناء الشعب.. أمر ليس لرئيس دولة.. فهل يمكن لمثله أن يكون متوازنا وهو يرى نفسه أرفع مقاما من وزراء حكومات ما بعد الثورة من خريجي الجامعات؟ لا عقل يردعه ولا أخلاق تزعه.
هؤلاء القياديون المصنوعون على عين بن علي الذين كانوا بالأمس القريب يرفعون له تحدياته ويضعون صورته في أعلى صفحة الغلاف من صحيفة الاتحاد، هل يمكن لهؤلاء أن يفهموا وطنا أو يقدّروا ديمقراطية او ينتصروا لحرية أو يحترموا لأحد مقاما؟
قيادات الاتحاد درس سيّء للمواطن التونسيّ.. ليس لك أن تطلب العلم ولا أن ترتقيَ في مراتبه.. تعلّم الحدّ الأدنى.. "دبّر خدمة".. انخرط في النقابة.. ترقّ في المهام النقابيّة يخلُ له وجه الجاه والمال والسلطان.. ولا تتعب نفسك في الدراسة ولا "تكسر رأسك" في التعلّم.
بمثل تلك القيادات يستعين المنقلب على الشعب.. يعاملهم باستعلاء.. يناديهم فيأتونه مهرولين فرادى وجماعة ويتركهم فينكمشون.. يعصرهم وينشرهم مثل خرقة بالية لا تصلح حتّى لمسح أرضية قصره.