بحثت عن فكر قيس سعيّد الجديد فلم أجد غير ما يأتي ذِكْرُهُ.. ومن وجد منكم غير ذلك فليدلّني عليه وأجرُه على الله... الفكر الجديد أن تغزل من كلامك مواقف لك تَلْفِتُ بها الأنظار وآراء تستقطب بها الأنصار وتتّخذ منها عهدا لك مع الشعب، حتّى إذا جلست على كرسيّ الرئاسة نكثت غزلك وأعرضت عن الأنظار وفسخت عهدك مع أنصار أمسِك كأنك لست أنت أو كأنّ عمليّة تحوُّلٍ أُجريت عليك.
الفكر الجديد يعني أن ينتخبك الشعب فتجعل من انتخابك سيفا تسلّطه على الرقاب وتنفي شرعية كلّ منتَخَب غيرك وتستهين بسلطات سواك وترذّلها لتؤكّد مشروعية لك وحدك وليست لأحد غيرك.
الفكر الجديد يعني أن تدخل على نظام ديمقراطي تعدّدي صرتَ بفضله رئيسا للجمهوريّة، فتحوّله إلى مملكة تحكمها وحدك وتجمع مختلِف السلطات في يدك كأنّك امبراطور عاكس لصورة الله في الأرض.. كأنْ لا ثورة قامت ولا مجلس أُسّس ولا دستور كُتب.. وكأنّك المسيح جاء من غير أب.
الفكر الجديد ألّا تخاطب الشعب إلّا بالوعيد والتهديد كأنّك تعلن الحرب على الأعداء، فإذا كلُّ من خالفك فاسدٌ وكلّ من عارضك منافق وكلّ من قال لك لا غير مسلم وجب إخراجه من الملّة قبل إقامة حدّ الردّة عليه.
الفكر الجديد ألّا يخلوَ معجمك من المتآمرين والمنافقين والكاذبين والغرف المظلمة وألّا تترك عبارة سيّئة إلّا رميت بها من خالفك ولم يوافقك رأيك.. فأنت بين "أحتقر" و"أزدري و"لا يعنيني".
الفكر الجديد أن تفتّش عن كلّ سلاح في البلاد لتجعله تحت إمرتك كأنّك على وشك خوض حرب وجوديّة مع الغزاة.. وما جمعُك للسلاح إلّا للاستقواء به على مخالفيك لتستبدّ بالرأي وترسل أيادي توابعك بدعوى المشروع الذي لم يأت به الأوائل ولا الأواخر.
الفكر الجديد أن تعجز أنت عن كل فعل فتنتصب في طريق غيرك لتقطعه عليه لتعطف القلوب عليك، وأنت النظيف الافتراضي والوطني الافتراضي والمصلح الافتراضي.
الفكر الجديد أن تأكل من زاد الشعب وتمسكه ليمدحك بما لم تفعل. وبما ستفعل.. وليس غير الوهم لك فعلا.
الفكر الجديد أن يتحوّل التطبيع من خيانة عظمى إلى مصطلح دخيل ليس له وجود وأن يعود الاحتلال حماية ويمتنع اعتذار الذي أجرم لأنّ من اعتذر فقد أدان نفسه.
الفكر الجديد أن تجعل من شعبك فسطاطين: فسطاط الأنصار وفسطاط الخصوم وأن تطلق يد أنصارك بكلّ بذيئة وأن تسلّط المحاكم العسكرية على من نقدك ليصلحك.
سننقدك حتّى ينصلح حالك وترقى إلى مقام رئيس الشعب المنتخَب أو يحسن الله عاقبتنا وعاقبتك.. وتخرج بلادنا من نفق أدخلتَنا إليه عنوةً.