. 1-تعلّمنا من المهد أن ستر العيوب فضيلة وأنّ التغافل من شيم الكرام ..وأنّ تتبّع عورات الخلق والتشهير بهم جرثومة الرذائل.. وقد قرأنا في قصص الأوّلين درسا تربويا بليغا يغنيك عن بحث صحّته.. "يروى أنّ عمر بنَ الخطّاب كانَ يَعُسُّ بالمدينة من اللّيل، فسمِعَ صوتَ رجلٍ في بيتٍ يَتغَنَّى، فتسوّر عليه، فوجدَ عنده امرأةً وعنده خمرٌ، فقال: يا عدوَّ الله؛ أظننتَ أنّ اللهَ يسترُك وأنتَ على معصيتِه ؟. فقال: وأنتَ يا أميرَ المؤمنين لا تعجَلْ عليَّ، إنْ أكُنْ عصيتُ اللهَ واحدةً، فقد عصيتَ اللهَ في ثلاثٍ، قال تعالى: (وَلاَ تَجَسَّسُوا) ،وقد تَجسَّسْتَ، وقال الله عزّ وجلّ: (وَلَيْسَ البِرُّ بِأَنْ تَأْتُوا البُيُوتَ مِنْ ظُهُورِهَا )، وقد تَسَوَّرْتَ عليَّ، ودخلتَ عليَّ مِن ظهرِ البيتِ بغيرِ إذنٍ، وقال الله عزّ وجل: (لاَ تَدْخُلُوا بُيُوتاً غَيْرَ بُيُوتِكُمْ حَتَّى تَسْتَأْنِسُوا وَتُسَلِّمُوا عَلَى أَهْلِهَا)، فقد دخلتَ بغيرِ سلامٍ….
2. الحاكم، ليكون أهلا للحكم مستحقّا للمقام الذي هو فيه، وجب عليه أن يترفّع عن سفاسف الأمور، ومن كبُر همُّه لم يلتفت من الأمور إلى صغارها... ذاك هو معنى العلوّ.. الحاكم الرشيد هو ذاك الذي يستر العراة وليس هو الذي يعرّي المستورين..
3. هذا الشخص بلا سيرة... فكيف تسلّل إلينا ليصنع له سيرة فينا بتعرية خلق الله ونشر عوراتهم؟
ظاهرة صوتية جوفاء مصنوعة ببراعة.. سقط علينا من غفلتنا فانتخبناه ووقعنا بانتخابه في شرّ أعمالنا، نعم شرّ أعمالنا، لأّن المصائب إنّما هي بعض كسب أيدي المصابين بها.. ولست أرى بهذه البلاد مصيبة أكبر من مصيرنا بيديه.. وقد كان هو خلاصة كسبنا ومستحَقّ حصادنا.. انتخبناه ولم نأخذ بآراء الرائين الذين انفردوا بتحذيرنا منه.. تركناهم وانتخبناه لأنّنا ظنّنا أنّه أهون شرّين كنّا مكرهين على الاختيار بينهما، فخاب ظنُّنا وسرعان ما اكتشفنا أنّه محض شرّ.. لقد كان دون الخير ودون الشرّ حتى احتكّ بالكرسيّ فبدا ما كان خافيا من شروره الصرفة وخوائه من كلّ خير.
4. نفهم معنى أن يسعى الحاكم المستبدّ في قمع معارضيه ليسود على العامّة يوفّر لها حدّ المعيشة الأدنى يمنّ عليها به كأنّه جاء به من بيته فتتبعه أو تنشغل بتدبير يومها عنه. ولكنّنا لا نرى أيّ معنى لقمع مقرون بجوع وصراخ مصحوب بفشل في توفير أبسط المرافق للمحكومين..
أقمع وجوع وكشف عورات؟
5. بدأ أوّل أمره بتشويه نواب البرلمان (السلطة التشريعية) فأظهر نواب الشعب لصوصا ومضاربين وعملاء مأجورين بما يتضمّن اتهاما للشعب بأنّه مجتمع لصوص، وفي أحسن أحواله جمهور من الساذجين الذين تنطلي عليهم حيل المحتالين... وانتهى إلى جعل نفسه المشرّع الأوحد... لقد كان تشويه البرلمانيين جزءا من المخطّط.
6. سعى في هرسلة القضاة، ليضرب العدالة في مقتل، فأظهرهم مهربّين وفاسدين وأظهر القاضيات زانيات بلا دليل... كلّ ذلك ليضرب مرفق العدالة حتّى يفقد الناس كلّ أمل في الحقّ والعدل والإنصاف ويبحثوا عن حقوقهم بأيديهم فتكون فوضى وخراب يجلس فوقه مزهوّا... وانتهى بنفسه خصما وقاضيا في الآن ذاته لا يعنيه من القضاء غير حفظ كرسيّه يحصّنه بالأمن ويسيّجه بالقضاء... لقد كانت هرسلة القضاء جزءا آخر من المخطّط.
7. يبدو أنّه ساكني الغرفة التي تحرّكه يدركون عجزه ويفهمون قصوره... ومن كان كذلك، بدل أن ينجز عملا يُظهره يُشيد به، يسعى في تخريب الأذهان وإفساد الأمزجة ليفقد الناس كلّ مرجع وليتحوّلوا إلى حطام…
يجلسونه هو حاكما فوق الحطام وينشغلون هم بتدبير ما لا يعرف أحد ممّا يفسد السياسة ويدمّر الأخلاق ويخرّب العمران.