1. يرجع إلى مواطنون ضد الانقلاب الفضلُ في تدشين طريق المقاومة، مقاومة الانقلاب أوّلَ قيامه... لقد أظهروا حدّة وعي حين استعملوا تعبير مقاومة لا معارضة، لأنهم أدركوا، قبل غيرهم، أنّ الانقلابات إنما تأتي بأنظمة احتلال محليّة لا تختلف عن الاحتلال الأجنبي إلّا في الدرجة ربما... بل إنّها قد تتفوّق عليه في أعمال القمع والسلب والنهب... الانقلابات المحلية تقمع بيد وترفع باليد الأخرى تهمة الخيانة في وجوه خصومها، فتمارس التلبيس على الناس مرّتين... وتغتال العقل لتحكم.
2. لقد أكّد مواطنون ضدّ الانقلاب على أنّ الانقلابات تقاوَم ولا تعارَض، ذلك أن المعارضة قد تقف على مشترك ما بينها وبين الحاكم الذي تعارضه مهما كان تناقضها معه بينما لا مشترك يجمعك إلى منقلب. المنقلب نقيض لا يعيش إلّا وحده ولا يحاور إلّا نفسه ولا يقبل غير وجهه في المرآة.. وكثيرا ما يعمد إلى تهشيم المرآة.
3. ويُحسَب لهؤلاء الفتية أنّهم كانوا الشوكةَ الأولى التي غُرست في حلق المنقلب ومنعته من ابتلاع البلد، والعقبةَ الأولى التي حالت دون تقدّمه في مشروعه الذي يعمل من خلاله على تجريف السياسة ونشر الخراب، في لحظة كان الجميع فيها تحت وقع البهتة... وقتها لم يتجرّأ أغلب السياسيين على تسمية واقعة 25 جويلية انقلابا. بل لقد عدّها بعضهم حدثا وطنيا راهن عليه لتدشين لحظة جديدة من وجوده يقطع فيها مع عجز كان له في الزمان الديمقراطيّ.. كما فعل التيار الديمقراطي والاتحاد العام التونسيّ للشغل.
4. ولأنّ هؤلاء الفتية كانوا ديمقراطيين يدافعون عن الحرية بلا شرط وعن الديمقراطية للجميع فإنّهم لم يستثنوا من الناس أحدا وكان انفتاحهم على كلّ القوى الوطنية المدافعة عن الديمقراطية وحقوق الإنسان... ولم ينتهزوا فرصة الانقلاب لينخرطوا في ردح الجوقة التي أرادت ركوب ظهر المنقلب للخلاص من منافسها حركة النهضة وقد عجزت عنها بآلية الصندوق وبالاحتكام إلى الاختيار الشعبي الحرّ المباشر... فكانت مركوبة المنقلب لا راكبته.
ولأنّ الديمقراطية مطلب "مواطنون ضدّ الانقلاب" وهَمٌّ لهم ولأنّ الوعي سلاحهم فإنّهم قد بذلوا جهدا كبيرا في جمع الفرقاء وعملوا على إقناعهم بالتصدّي لمشروع الخراب قبل استفحاله. ولم يبحثوا عن احتكار البطولة ولم ينسبوا إليهم كل الفروسيّة. وبفضلهم نشأت جبهة الخلاص الوطنيّ.
5. خاض مواطنون ضدّ الانقلاب حوارا مع فرقاء كثيرين... ونجحوا في إقناع بعضهم وكان من إنجازهم الذي يذكر لهم استقطابهم الأستاذ أحمد نجيب الشابي الذي سيكون بعد ذلك رئيس جبهة الخلاص الوطني التي يفترض أنها الجيل الثاني من مواطنون ضدّ الانقلاب... كانوا مواطنين بصيغة الجمع فصاروا جبهة بصيغة المفرد... وذلك مسعى توحيديّ يعود الفضل فيه إلى مجموعة مواطنون ضدّ الانقلاب.
في الجبهة سياسيون متمرّسون من مشارب مختلفة، ولكن الجامع بينهم هو الدفاع عن الحرية والذود عن الديمقراطية واسترجاع مؤسسات الدولة الشرعية والعمل على خلاص البلاد من أزمتيها السياسية القادمة مع الانقلاب والاجتماعية السابقة عليه والمستفحلة به.
6. ككلّ مسيرة مقاومة لا بدّ أن تحدث التمايزات بين فصيلين اثنين داخل المقاومة الواحدة أو بين فصائل شتّى تختلف بينها الرؤى في الأهداف أو الوسائل أو فيهما معا... وحتى في معارك التحرّر الوطني ضدّ الاحتلال الأجنبيّ لم تكن جماعات التحرير على جادة واحدة، وكثيرا ما كان الأمر ينتهي إلى حرب وجودية بين فصيلين يستعلهما المحتل في إنهاك المقاومة مثلما حصل في تونس بين بورقيبة وصالح بن يوسف... نشأ الشرخ بين رفيقي الكفاح ولا تزال آثاره في البلاد قائمة.
7. في الحالة التونسية الراهنة نشهد تمايزا يحدث بين قوتين داخل المقاومة التي يمثلها مواطنون ضد الانقلاب وجبهة الخلاص الوطني:
• قوة ثورية رومنسية جذرية ترى في الانقلاب جريمة في حقّ الوطن... ولا ترى صلاحا لأمر الوطن إلّا باجتثاثه واسترجاع الأرض منه وصيانة العرض.
• وقوة تسمّي نفسها واقعية تتحرك في إطار الممكن أمام انقلاب لا يبقي ولا يذر ويعمل على تجريف الحياة السياسية وتدمير ما أقامه التونسيون منذ عشرات السنين.
الفصيلان لهما من الحجج ما يقنعان به.
8. ولكن لي كلمة أودّ أن أقولها، أنا الملاحظ من بعيد المشغول بالوطن وبالحرية والديمقراطية:
أي اختلاف قد يحصل بين مكوّنات جبهة الخلاص الوطني بجيليها إنّما هو خطأ فادح قد تترتّب عنه نتائج كارثية لا يستفيد منها غير هذا الانقلاب البغيض.
قد أتفهّم إصلاحية السياسيين المخضرمين الذين عوّدتهم المحن على ضرورة سلوك الطريق الواقعي والرضا بالممكن في خوض المعارك. ولكنّني أدافع بكل قوّتي عن مواطنون ضدّ الانقلاب وأتبنّى رومنسيتهم وأنافح عن جذريتهم وأنتصر لنقاوتهم وأشيد بصرامتهم في مقاومة منقلب لا يتعامل مع خصومه إلا احتقارا ولا يرى نفسه سوى حاكم يأمر فيطاع ولا يقبل لحكمه استئنافا.
9. هذا المنقلب استثنائيّ بمعنى أنه فاقد لكل ما يمكن أن يجعله شريكا لأحد في شيء... هو عدوّ جذري لكلّ قيمة جامعة في البلاد ولا يمكنه أن يعيش إلّا على أنقاض الآخرين... يحارب التاريخ كأنّه يبدأ معه ويرفض الأفكار فلا يرى منها غير فكرته وإن كان عن التفكير عاجزا... يناهض السياسة فلا يبقي على غير سياسته... هذا المنقلب أشبه بآلة تجريف لا معنى لها إلاّ بما تحدثه في ما تمرّ عليه من خراب.
كل تنازل لهذا المنقلب سيكون عقبة في طريق استعادة الديمقراطية وخلاص الوطن من هذا الخطر الجاثم.
هذا المنقلب يصادر زمن الوطن.. وزمن الوطن ثمين.. وكل نزول له عن شيء إنّما هو انخراط في إتلاف مقدّرات الوطن..
10. سيأتي يوم يكتشف الناس أن تونس لم تُصَب في تاريخها بمصيبة أدهى من هذا الذي تجده من الانقلاب الجاثم على روحها.
الانقلاب فيروس وليس له من مصل أجدى من مواطنون ضدّ الانقلاب:
• الانقلاب هو الجريمة وموطنون ضدّ الانقلاب هم القانون
• الانقلاب هو الفوضى ومواطنون ضدّ الانقلاب هم النظام
• الانقلاب هو الظلم ومواطنون ضدّ الانقلاب هم العدل
• الانقلاب هو الجنون ومواطنون ضدّ الانقلاب هم العقل
• الانقلاب هو الخيانة العظمى ومواطنون ضدّ الانقلاب هم الوفاء للوطن
• الانقلاب هو الفساد ومواطنون ضدّ الانقلاب هم الطريق إلى الصلاح
• الانقلاب هو تدمير للأخلاق ومواطنون ضدّ الانقلاب هم حماة الأخلاق
11. مواطنون ضدّ الانقلاب هؤلاء هم جملة سياسية مفيدة وتعبيرة فكرية ناجعة يمكن، إن نحن قدّرناهم حقّ قدرهم بعيدا عن الحسابات والحساسيات، أن يكونوا فاتحة نصّ ديمقراطيّ عربيّ يضيف إلى البشرية ما ظلّ من ديمقراطيتها ناقصا.
12. اصبروا عليهم ولا تتعجّلوا . الديمقراطية تحتاج إلى نفَس طويل. وإلى صبر جميل.