بين يومين -
هل هرب الرئيس من العاصمة إلى سيدي بوزيد ليوصل للشعب رسالة؟ هو عوّدنا أن ننقض أقواله لنجِدَهُ حيث نظنّه.. فهل جاء يطلب النجدة بنفي كونه سجينا من مهد ثورة 17 ديسمبر يوم 20 سبتمبر؟ أم كان هرعه إلى سيدي بوزيد بسبب وقع صدمة 18 سبتمبر عليه؟
من ذا الذي أشار عليه بالرحيل إلى سيدي بوزيد بعد يوم واحد من وقفة احتجاجيّة عليه لبعض معارضيه الذي انتخبوه؟ صبر مخالفوه هؤلاء عليه سنتين كاملتين ظلّ فيهما يسحلهم سحلا ولا يدّخر سببا لمهاجمتهم ولا يستثني كلمة لمشاتمتهم.. يصبّ لعناته عليهم فلا يقتصد وينتهك أعراضهم فلا يرعوي.. ولم يصبر عليهم يوما واحدا قالوا فيه رأيهم.. فيه...
لم يصبر الرئيس على سماع أوجاع ضحاياه في العاصمة فهرب منهم إلى سيدي بوزيد يفتّش في رماد البوعزيزي عمّا به يخفّف من شعوره بالحريق.. ويلتحف بنقمة مفجّري ثوة 17 ديسمبر يستعطفهم بما يريدون.. فلم يسمعوا له قولا…
انتفضت جماهير الشعب عليه في وقفة احتجاجية سلميّة أمام المسرح البلديّ في العاصمة فهرب بعد يوم واحد إلى سيدي بوزيد ليلقيَ عليهم صواريخه العابرة من هناك... غير أنّ الصواريخ بدت مُنهَكَة إذ أُطلقت هذه المرّة من خارج منصّاتها..
لا يغرّنكم ارتفاع صوته.. فقد كان يزيد في رفعه تناسبا مع انصراف الحاضرين له عن السماع إليه.. لم يكن يسمعه منهم أحد فزاد توتّره وبدا كما لو أنّه يجاهد ليفتكّ صوته من بين أصواتهم.. لم يسمعوه ولم يسمعهم.. كان يصرخ ليسمع نفسه "وليسمع العالَم".. كأنّه يبحث له عن شهود.
أيّها الغاضبون منّي أفرّ منكم إلى الغاضبين منكم.. وليكن غضب بغضب…
الرئيس لا يجوز عليه الغضب لأنّ الغضب يذهب بالعقل والعقل يعصم من الهوى ويردّ من الضلال.. ولكنّ رئيس دولتنا رجل غضوب لا يعرف يضحك ولا يعرف يسمع ولا يعرف يفهم.. بل لا يعرف يختار الكلام.. ولا يعرف يشدّ الأسماع إليه بما يلفظ من كلام.
فهل يليق بتونس أن يحكمها من لا يعرف شيئا حتّى مهاجمة الخصوم؟ هذا استثناء والاستثناء لا يجري…
قوس وجب غلقه فأين عقلاء الوطن؟