نحن في سياق وباء لم يحدث لنا ولا لآبائنا من قبلنا.. تلاميذنا كانوا في عطلة دامت نصف شهر ثمّ اضطرّهم الحجر الصحّي بعدها إلى انقطاع طويل عن الدراسة.. فهل سيكون من السهل عليهم استئناف دروسهم كأنّ شيئا لم يكن؟ وهل يمكن للمدرّسين ترميم ما فات من السنة الدراسية وتهيئة التلاميذ لاختبارات نهاية السنة لإجراء الامتحانات الوطنيّة؟
سيّدي الوزير..
هذه ملاحظات من رجل تربية يرغب كما ترغبون في أن يجتاز أبناؤنا سنتهم الدراسية الحاليّة بسلام ونجاح:
1. أرى رهانكم مقتصرا من المرفق التربويّ على جانبه الإداري. وشغلكم الشاغل أن ترمّموا ما أمكن من السنة الدرسيّة في تحدٍّ قد لا يكون مدروسا.. فهل التربية مجرّد عمل إداريّ يُختزَل في جانبه التقني الإجرائي؟
2. الدراسة ليست كمّا من الدروس تُختَم بامتحانات جزائية يوزن بها كمّ المعارف المكتسَبة. الدراسة نشاط مركّب فيه جوانب متعدّدة…
- منها الجانب المعرفيّ الذي هو قسمة بين المعلّم والمتعلّم. ولستُ أرى السياق سياق بناء للمعارف.. وأنتم بما تستهدفونه من ربح السنة الدراسية إنّما تُخسرون المتعلّمين وتُخسَرونهم.. معرفيا ووجدانيا…
- ومنها الجانب الوجدانيّ. وهو في حالنا الراهنة أوكد.. ولعل تلاميذنا أولى بمرافقتهم وجدانيّا بسبب ما تركته ظروف الحجر فيهم قبل التفكير في إتمام برامجهم المعرفية لامتحانهم فيها.. والمرافقة الوجدانية تستدعي خبراء قادرين عليها.. فما يحدثه الحجر في النفوس أثقل من أن يزول بمجرّد التحاق التلاميذ بمقاعد الدرس...
3. للحجر الوجوبيّ آثار نفسيّة جانبيّة على التلاميذ لا تخفى عليكم.
• فليس يسيرا على التلاميذ ما عاشوه من ضيق البيوت التي تحوّلت إلى سجون زمنا طويلا لم يعيشوا نظيرا له من قبل.
• احتكاك التلاميذ بوالديهم هذا الزمن الطويل من شأنه أن يعرّيَ كثيرا ممّا تكفّلت الحياة العادية بحجبه عنهم ممّا ليس في مصلحتهم تعريته. وهذا من شأنه أن يترك على استعداداتهم آثارا كبرى…
• كثير من التلاميذ عاشوا عن كثب عطالة آبائهم بسبب طول الحجر وقلّة حيلتهم. إذ أنّ كثير من الآباء لا حظّ لهم من الحياة إلّا كدّ يومهم وقد جعله الحجر مستحيلا.. فهل من السهل على الطفل أن يرى عجز والديه عن إعالته؟ هل يبقى لديه معنى للتعلّم؟
• حُجر الناس في بيوتهم بسبب الوباء. ولكنّ أخبار الوباء تقتحمها عليهم على مدار الساعة.. مصابون بالملايين وموتى بمئات الآلاف وشكاوى من عجز المرافق عن الإيفاء بالحاجات في دول يعدّونها متقدّمة.. وخوف من المصير خانق.. فهل من السهل على التلاميذ تجاوز كلّ ذلك بمجرّد عودتهم إلى صفوف الدراسة؟
4. أنتم تعلمون كيف الدراسة والتدريس بعد النصف الثاني من شهر ماي. فهل تُرى تأمنون سير الدروس في زمن الهاجرة؟ أترون من السهل فتح المؤسسات التربوية لاستقبال التلاميذ؟ ألا تعلمون أنه زمن حرّ والحرّ يفرض استرخاء يكاد ينقض التعلّم من جهتي المدرّس والتلميذ كليهما…
5. افرض جدلا أنّ متعلّما، كان حاضنا للفيروس دون أن يدريَ ولم ترصده به التحاليل، دخل إلى المؤسّسة مطمئنّا ثمّ سرت عدواه في سواه. وكان من بين المصابين بالعدوى ضعيف مناعة أصابه الفيروس فمات.. كيف سيتعاطى السيد الوزير مع الأمر؟
سيّدي الوزير…
إنّكم إذ تقرّرون استئناف الدروس وإجراء الامتحانات في منتصف شهر ماي إنّما تصرّون على أن تجعلوا من الدراسة مجرّد نشاط إداريّ على الوزارة إنجازه مهما كانت الظروف والملابسات التي لا يملك أحد أن ينكرها…
أعلم أنّ مسؤوليتكم جسيمة.. ولكنّ الموضوع معقّد.. والتعقيد يستدعي الروية للإحاطة بمختلف جوانبه…
سيّدي الوزير…
طالب العلم لا يدخل الامتحانات بمجرّد ضغط المسؤول على زرّ.. مدّة الحجر الطويلة لها تداعيات نفسية وذهنية تستدعي فهما.. وربما علاجا.. والامتحانات حصاد.. والحصاد يقتضي زرعا.. والزرع لم يكن كما ينبغي… الامتحانات ليست مجرد عبء يضعه الوزير عنه ليحصي أعداد الناجحين ونِسبهم… موضوع التربية في ظل ظروف الوباء موضوع معقّد يحتاج مشاورات كبرى بين خبراء متعدّدي الاختصاصات..
سلوا انفسكم: كيف نحمل من باتت حياته في كفّ فيروس على التعلّم؟
تفكّروا في الأمر جيدّا ولا تتعجّلوا…