أصابت امرأة وأخطأ عمرُ…
ولا خير فيكم إن لم تقولوها ولا خير فينا إن لم نسمعها... وإنَّ رجلًا أتى النَّبيَّ صلى الله عليه وسلم يتقاضاه فأغلظ له في القول، فهمَّ به أصحابه، فقال لهم: دعوه فإنَّ لصاحب الحقِّ مقالًا.
المقام من المكانة.. ولكلّ مكانة مكان.. فليس لك أن تزاحم الناس في السوق وتعترض على مرفق ضربك أو قدم أصابتك أو صوت أزعجك.. وليس لك أن تسير في الشارع وتحاسب الناس إذا عاملوك بما يتعاملون بينهم.. وإذا جالست الناس في مسجد فإنّك قد اخترت أن تكون واحدا منهم تجد منهم ما يتداولون من معتاد حياتهم…
المقامات محفوظة.. ولكلٍّ مقامُهُ.. الأخلاق تحفظ المقامات والقانون يصونها.. نحن في دولة ديمقراطية الجميع فيها متساوون أمام القانون لا فرق بين مواطن ورئيس…
قبل الانتخابات كان قيّس سعيّد مواطنا تونسيّا من جملة المواطنين.. اليوم بفضل أصوات هؤلاء المواطنين صار رئيسا للجمهورية.. فهل انتخبه المواطنون حتّى يجوز له ما لا يجوز لغيره؟
القانون لا يجيز للرئيس أن يتجاوز حدًّا.. بل إنّ مساحة الحرية لدى المواطن أوسع لأنّ الرئيس هو القدوة.. وينبغي أن يكون صدره أوسع وعقله أرجح وحِلمه أكبر.. إذا ضاق صدر المواطن ولم يعصمه عقله ولم يحضره حِلمُهُ.. فإن لم يشأ فالقانون يفصل في الخصومات…
الرئيس ذهب إلى المسجد ليصلّيَ الجمعة.. هذا حقّه... الرئيس وقف في الناس خطيبا يحدّثهم في السياسة.. هذا ليس من حقّه.. بل فيه تجاوز للقانون وإزراء بمقام الرئاسة... المواطن اعترض على الرئيس.. هذا من حقّه... المواطن أغلظ في القول للرئيس.. هذا أمر لا يليق...
ولكنّ مقام المسجد يحمي الرئيس من تجاوز المواطن ويحمي المواطن من حَرس الرئيس.. على أنّ الرئيس ليس أقدس من محمّد ولا أرفع مقامًا من عمر... حكمنا بعد الثورة رؤساء لقوا من المواطنين الكثير وكانوا أهلا لكرسيّ الرئاسة بترفّعهم وإنسانيتهم وصبرهم على الأذى.. واحترامهم للقانون.. والتفضّل في مراعاته…
أمّا رئيسنا هذا فيريد أن يسير فينا سيرة عمر ولكن بعنف يصنع منه هيبته ويرفع به من مقامه.. سيرة عمر الذي حصل له تحوّل جينيّ، بحكم فارق الزمان، فصار يصرخ في وجه هذا ويجلد ظهر هذا ويأمر حرَسه بأن يأتوا بهذا…
ما هكذا يكون للرئيس مقام…
الذي يأتي للرئاسة ليحكم شعبا أنجز ثورة عليه أن يدفع ضريبة للمواطن على كلّ الذين جاؤوا لحكمه من قبل… نحتاج وقتا طويلا لنجعل للرئيس مقاما لا يخالطه رعبٌ.. ويحتاج الرئيس إلى أن يقيم مقامه بخفص جناحه لمواطنيه بلا استثناء.. والتحلّي بالصبر على مخطئهم قبل مصيبهم…
كون المواطن من حركة النهضة يُحسَب له لا عليه.. منتسبو النهضة مواطنون مثل غيرهم.. وقد دفعوا ضريبة لم يدفع نظيرَها غيرُهم ليقول غيرُهم: إنّ للرئيس مقاما فاحترموه… فإنّ من حقّ المواطن أن يقول للرئيس: إنّ للمواطن مقاما فاحترمه ولا تستقوٍ علينا بحرسك الرئاسي… فجرايته من دمنا.