ليس من الرجولة أن تتعمّد إهانة امرأة أمام أنظار العالَم، ذاك هو شرّ الشرّ. لن تكون بطلا في نظر أحد، ولا في نظر نفسك، إذا تعمّدتَ أن تهينَ الناسَ أمام الناس. سيفتكّك وصفُك، الذي يليق بك بجميع اللغات، منك وسيشهد عليك ما بقيتَ، وما بعد البقاء. حين تمارس عاداتِك الساديّةَ السرّيةَ دون أن يراك الناس قد لا يشيع إضرارُك بالناس، أمّا إذا جاهرت بعاداتِك السيّئةِ تعدّاك ضررُها وشاع البلاءُ المعجِّلُ بخراب العمران.
يمكن للحاكم، وقد ملك كلّ شيء واستولى على السرّ والجهر أن يفعل ما يشاء بلا رقيب في دولة يختفي حاكمها مثل إله. فما الذي يضطرّ حاكما أغلبُ "أفعاله" في الظلام إلى ممارسة حكم الإذلال والإهانة تحت الأضواء والأنظار ؟!
حين تعجز في كامل حياتك عن فعل يذكرك به الناس ثمّ عندما يصير أمرهم إليك تمعن في التنكيل بهم فإنّ سلوكك لن يعدوَ استغلال نفوذ لولاه ما ملكتَ جرأة. لن يكون ما تأتيه شجاعة، سيكون جُبنًا خلف قناع.. وكلّ الأمر نذالة.
قد يكون الحاكم مستبدّا، ولكنّه بالعقل قد يتمكّن من تزيين أفعاله في عيون الناس الذين قد تنطلي حيَلُ الحكّام عليهم، أحيانا. أمّا استبداد ولا عقل، استبداد وفساد ذوق، فأمر فوق الخيال ولا يمكن أن يرضاه لنفسه شعبُ ثار لكرامته قبل سنوات وقدّم من الدماء والأرواح لها مهرا.
ما يجري من دعوة المسؤولين وتصويرهم وهم يُقرَّعون أمام العالَم لا يعبّر إلّا عن شيء واحد، أنّ من يقصد إهانة الناس لتثبيت ذاته لا يستحقّ المقام الذي هو فيه. الأمر خطير جدّا ولا يليق.
الحاكم قد يظلم ويرتكب الشنائع، ولكنّه يعمل على إخفاء ما يفعل لعلمه بقبح ما يعمل، أمّا ما نرى من إشاعة للإساءة فأقلّ ما يقال فيه عيب.
نشأنا في بلد صارت فيه المرأة إلى مقامات رفيعة، وصارت لنا في العالم صورة من مكوّناتها المرأة التونسيّة الحرّة. وإهانة المرأة عودة إلى وراءٍ ما عاد يليق بصورتنا.
الآن أفهم أنّ تعيين امرأة على رأس الحكومة في البدء لم يكن انتصارا للمرأة ولا حتّى استعمالا لها لاستمالة أنصار النساء، إنّما كان تدرّبًا على الإهانة والإذلال.. السنتان كانتا مسافة للتربّص على الإهانة، وقد اختار لتربّصه امرأة رأى فيها الضعف المناسب لتقبّل إهانته، ومنها يعدّيها إلى من يأتي بعدها وإلى جميع خلق الله في برّ تونس، في زمان الناس هذا.
الحكم، في فهمه، لا يكون إلّا تحكّما والتحكّم يأتي عن طريق الإذلال.
حتّى لا يقال إنّه لا فرق بين النساء والرجال في المسؤوليات، ولا معنى لهذا الخطاب النسويّ الفارغ، نقول:
إهانة الرجال قبيحة وإهانة النساء أقبح. إذا أهنتَ رجلا أتيتَ ظلما. إمّا إذا أهنتَ امرأةً ضاعفت الظلم باللؤم. هذا في المطلق، فما ظنّك بحاكم يستقوي على الرجال بقوّة دولتهم، ويهين النساء. وما أهانهنّ إلّا لئيم.