هل أن مناخ البلاد مشجع على الإستثمار؟ واقعيا لا. هو كذلك للأسف. طيّب، هل دور رئيس الجمهورية أن يقول ذلك في زيارة خارجية، موضوعها إقتصادي، أي استثماري بطريقة أو بأخرى؟ طبعا لا. إذا كان رئيس الجمهورية غير موافق بتاتا على أن الجو العام لا يشجع على الإستثمار، فلماذا ذهب لهذا المؤتمر أصلا؟ النتيجة المنطقية لموقفه هو عدم الذهاب أصلا!
الديبلوماسية الإقتصادية هي أحد أدوار الرئيس. قناعتي أن الرئيس يريد لعب هذا الدور، وإلا لما طرح (مثلا) مشروع المدينة الطبية بالقيروان جملة وتفصيلا، لأن هذا المشروع استثماري أولا، ولأن تنفيذه يفترض أن يتم (حسب تحركات الرئيس) باستثمارات أجنبية، في نفس جو الفساد الذي صرح الرئيس في باريس أنه يعم البلاد، وأنه لا يشجع على قدوم المستثمرين.
نحن ببساطة أمام تناقضات عشوائية وعميقة في تصور الرئيس لدوره أولا، ولوضعية البلاد ثانيا، ولنظرته لكثير من الإشكالات الكبرى. الرئيس، ببساطة مؤسفة، يخبط خبط عشواء، بلا تصور ولا رؤية، وهو التفسير المنطقي الوحيد لكل هذه التناقضات.
طيّب، هل أن قولنا أنه "صادق على الأقل" يحل المشكلة؟ لا. بتاتا. ما هو مطلوب من الرئيس هو النجاعة. الصدق هو من تحصيل الحاصل المطلوب. الصدق يتطلب أولا (إذا ما انسقنا في هذا الإتجاه) الإعتراف بغياب الرؤية، أو بعدم إكتمالها، ومحاولة التدارك. المقارنات هنا، بهذا الرئيس أو بذاك، هي مجرد حيلة من حيل الخِطاب التي تستعمل في هذا الإتجاه أو في الإتجاه الآخر، بحسب درجة استعدادنا القبْلي للتجاوز عن زلّاته، أو لإغراقه فيها. فيما عدا الخِطاب وحِيَله وفِخاخه، نحن أمام معضلة كبيرة: عدم امتلاك الرئيس لأي تصور متناسق ومتكامل لدوره، ولوضع البلاد، وللإشكالات الكبرى.
الطامة العظمى هنا بالذات، بغض النظر عن كل خلافاتنا وكل صراعاتنا.