في قضية الوطن والعلم، هناك باستمرار مغالطة تعتمدها أي سلطة للتعمية على استبدادها وانتهاكها للحقوق. تقديس "الوطن" و"العلم" بغض النظر عما يحيل إليه من إبتزاز عاطفي للجمهور (وهو الهدف الحقيقي من البروبغندا حولهما) ليس إلا دعاية تستهدف الأقل قدرة على التجريد من ضمن ذلك الجمهور.
يصبح الوطن عبر هذه الدعاية وما يرسخ بواسطتها لدى الجمهور "ترابا" وهضابا وسهولا وعادات وتقاليد، مجرد كيان جغرافي من دون الروح التي تمثلها الحقوق وكرامة الإنسان.
أما العلم فيصبح مقدسا لذاته، كصنم يحتاج المؤمنون لرؤيته ولمسه وضمه وتقبيله. الوطن تحرر، والعلم بصفته رمزا للوطن هو أيضا رمز للتحرر، وهنا يتحولان إلى نقيض كلي للدعاية التي يمارسها الإستبداد والتي تخلط بصفة واعية بين المفاهيم والرموز.
لا تمارس الدولة عندما تتكلم وحتى عندما تسكت إلا الدعاية. المعنى الحقيقي للرموز، بما فيها الوطن والعلم، ليسا بالنسبة إليها إلا أدوات في آلة الدعاية التي تستهدف إبتزاز الجمهور الواسع.
ما يحصل بين السلطة ومعارضيها
ما يحصل بين السلطة ومعارضيها يشبه كثيرا حرب استنزاف. يستنزف قيس سعيد معارضيه بالقضاء والأجهزة، ويستزفه معارضوه بما يرتكبه من أخطاء وبالطريقة التي يغلق فيها على نفسه الفخ.
لكن معارضيه يتوسعون في أوساط النخب، بسبب الأخطاء القاتلة التي يتورط ويتوسع فيها ضد هذه النخب يوما بعد يوم. يقود قيس سعيد منذ البداية هذه الحرب، حيث كان استهداف النخب العمود الفقري لبرنامجه السياسي. أصلا لا يمكن لبرنامجه أن "ينجح" دون إقصاء النخب.
ما حدث مع المحامين نموذج مصغر عن أن الأمور لا تسير دائما كما نريد: إحراج عميد المحامين، وقسم هام مساند "لمسار الرئيس" عبر "غزوة دار المحامي" يعني ببساطة إلقاءهم في صفوف معارضيه بعد أن كانوا محايدين في الحد الأدنى.
يدفع قيس سعيد الأمور داخل النخب دفعا لتقليص مساحة حيادها، وتوحيد تلك النخب ضده. هذا خطأ فادح تكتيكيا واستراتيجيا. استهداف المحامين والصحفيين في نفس الوقت أكثر بكثير من خطأ. لا شك عندي في أن ما يحصل منعرج، وأنه منعرج مؤسِّس، وأن تطور الأمور لن يأخذ بعده اتجاها عكسيا.