هناك لوْثةٌ ما في تكويننا النفسي والإجتماعي تجعلنا نتسابق للتعبير عن كل الأحاسيس السلبية، بل نمضي أكثر فنجعل منها، باعتماد سهولة التواصل على الشبكات الإجتماعية اليوم، سلوكا عموميا، ننشره ونشجع على اتباعه، بل نتبارى في ذلك.
مشاعر الكره والشماتة هي أهم هذه الأحاسيس السلبية. هناك في مجتمعنا استعداد للفاشية، وللتشجيع على هضم الحقوق، بل وحتى على التشفي في المحرومين من أبسط حقوقهم، كالسفر، او المحاكمة العادلة. لا يتعلق الأمر ضرورة بالخصوم السياسيين، بل يشمل كل الشخصيات العامة. في السياق الفاشي، كل الشخصيات العامة خصوم سياسيون، ماعدا الزعيم ومن يضعهم الزعيم في مواقع المساعدين له. هناك أكثر من ذلك درجة غير مسبوقة من الفحش في التعبير عن هذه الأحاسيس السلبية، بل إن هناك نوعا من التقبل المجتمعي المتزايد لذلك.
اليوم، يتغذى هذا السلوك من منابع رسمية تمثل الدولة التي يفترض أن تسيطر عبر سياساتها على شيوع الكراهية والخطاب العنيف، لأن ذلك يمثل ببساطة مظهرا من مظاهر الإنقسام الإجتماعي الذي قد يفتح تصاعده للاقتتال والفوضى إذا ما توفرت له ظروف أخرى "ملائمة".
أحيانا، يكون ذلك للأسف الشديد نوعا من السياسة الرسمية التي تغذي الإنقسام المجتمعي وتصاعد الخطاب الفاشي المُنكِر للحقوق، عندما تعتقد السلطة أن هذا الجو العام هو مايسمح لها بالبقاء، حيث يتحول إلى نوع من الفرجة الإجتماعية الضرورية للمحافظة على نسق من التوتر بين فئات المجتمع بما يمنع التساؤل عن شرعيتها أو منجزاتها.
نحن اليوم في هذا الوضع تقريبا.
ليس هناك سياسة فاشية لا تعتمد على ميول جزء من المجتمع، أو أغلبه، للفاشية. بل إن الأمر يصل، عند الضرورة، إلى إذكاء الدولة لتلك الميول عبر نوع من التواصل العلني وغير العلني مع "الجماهير" باستهداف من تطلب تلك الجماهير استهدافهم. هنا تكتمل الدائرة الفاشية.
أعتقد أننا وصلنا اليوم إلى هذا الوضع.