ما أراد الرئيس توضيحه اليوم أنه في حالة قوة، ووضعية هجوم. كل السياق يقول العكس. قيس سعيد منزعج جدا من نسبة المشاركة في انتخابات برلمانه، إلى درجة أنه عدل من اتجاه انكاره للواقع بين الدورتين: في الدور الأول، كان قد قال أن 11 بالمائة أفضل من 99 بالمائة. بالأمس، هناك اعتراف واضح بأن خطته تعرضت لضربة شديدة فلم يعد ال11 بالمائة أفضل. أصبحت التسعون بالمائة على حق في اعراضها عن فكرة البرلمان، أي بما في ذلك برلمانه.
زيارة الرئيس لثكنة العوينة اليوم فيها اعتراف آخر، أو اعترافات أخرى. هناك اعتراف بوجاهة النقد الذي يتعرض له من خلال تركه لمهامه الرئيسية، ومنها المحاسبة، واستغراقه في تركيز منظومته القانونية والانتخابية. زيارة العوينة فيها محاولة استعادة لموضوع المحاسبة، وهو اعتراف بأنه قد ترك هذا الموضوع جانبا، وأن ذلك قد يكون سبب عزوف الناس عن انتخاباته، ما يعني أنه على العكس مما يقوله تماما، فهم أن المقصود بالعقاب كان هو شخصيا، وليس فكرة البرلمان.
الاعتراف الآخر هو أن الرئيس عاجز عن فعل شيء بسيط كان قد وعد به وأقسم عليه، وهو كشف حقيقة فاجعة جرجيس. منذ شهرين تقريبا، لازال قيس سعيد يردد تفاصيل مثيرة للاستهزاء بشأن المعلومات المتوفرة عن هذه الفاجعة. ليست مثيرة للاستهزاء فقط، ولكن كثيرا منها إما غير خاص بهذه الفاجعة فحسب وأن جميع التونسيين يعرفونها وربما يعرفون أكثر منها، أو أنها غير دقيقة.
هذا اعتراف بعجز ضحم. رئيس يملك ويمارس كل الصلاحيات، يذهب بنفسه لثكنة العوينة، ليحمل ملفا بما يعرفه عن القضية، وكأنه يشكو إليها عجزه. هذا لايحتمل غير تأويلين: إما أن فهمه للموضوع يشكو من أخطاء هيكلية، أو أن السلطات المعنية لا تأخذه على محمل الجد.
في كلنتا الحالتين، لا تبدو القوى الصلبة واللينة للدولة في وضعية مريحة.
الحديث المتوتر عن المعارضة وخاصة عن اتحاد الشغل، ومعركة التحرير، والخيانة والتعامل مع الخارج، اعتراف آخر خطير: تعميم نفس الأوصاف على الجميع دليل انزعاج شديد من التقارب الموضوعي بين معارضيه ومنتقديه. صد الباب أمام أي مبادرة للحوار ليس هو المفاجئ. المفاجئ أن قيس سعيد قرر أن يساعد معارضيه على مزيد التقارب.
هذا اعتراف إضافي بأن برنامجه قد تلقى صفعة شديدة يوم التاسع والعشرين من جانفي، وأن خصومه سيستغلون ذلك لمزيد إضعاف شرعيته. التخوف والتشنج من طرح هذا الموضوع اعتراف أكيد بأن مشكل الشرعية أصبح حقيقيا، حتى بالنسبة لقيس سعيد.