تركيبة "البرلمان الجديد" مثل كل المناسبات التي دعا فيها قيس سعيد الناس للتعبير (الإستشارة، التظاهر) أو الإقتراع (دستور، انتخابات بدور أول ودور ثان) لا تدع مجالا للشك في استناده إلى مزاج عام أكثر من استناده لقوة ميدانية أو شرعية يمكن ترجمتها واقعيا عندما يتغير ذلك المزاج العام. لقد وضع قيس مؤسساته الجديدة، ولكن بأي أناس؟ وبأي قدرة حقيقية على الإستمرار؟
قيس تعبير عن مزاج عام للشعب، وليس عن "إرادة الشعب" مهما اعتقد العكس. وبما أنه يعرف أن هذا المزاج مزاج، وأن كل مزاج هو نتاج انطباع وقابل للتغيير، فإنه يحتاج إلى المحافظة عليه متحفزا، ولا سبيل لذلك سوى عن طريق استثارة المشاعر والغرائز. ذلك ما يفسر الحاجة لكل تلك النماذج المثيرة للغثيان التي أصبحت تحتكر المشهد، وتدعي انتماءها أو دفاعها عن "المشروع". تلك هي مهمتها في الحقيقة، الترذيل، وإثارة الأحقاد والغبار. هو ببساطة لا يحتاج عقولا، وإنما فقط من يثير الغبار.
هذا عنصر أساسي في كل الشعبويات، الحكم بالغرائز، استهداف فئة جديدة في كل مرة وإثارة الأحقاد ضد النخب أو الأجانب، افتعال كل ما من شأنه إبقاء الشعب متحفزا ضد النخب بتخوينها والحط من قدرها، ثم اصطيادها لإدامة الحكم العاجز والتغطية على العجز عن حل أي مشكل حقيقي.
في لحظة ما، لن يعود ذلك كافيا، وسينقلب المزاج. لا أحد يفطر مؤامرات، ويتعشى نخبا، ويتسحر حقدا. في لحظة ما سيتوجب إعطاء الشعب بعض الخبز، ذلك أن الفرجة وحدها تسليه ولا تشبعه، لا قليلا ولا كثيرا. في لحظة ما، سيتوجب إيجاد حلول حقيقية للمشاكل الحقيقية.
هذه ليست رغبة. هذا منطق التاريخ والإجتماع والسياسة.
قيس ما يلقاش خير من بودربالة
تسارع النسق إلي واخذتو سلطة قيس سعيد في أنها ترجع تشبه لنظام ماقبل الثورة مثير للإنتباه. نتبع في السلوكات، وتموقع الأشخاص والمجموعات، وقاعد نشوف في أنو ما عدا بعض الفولكلور اليسراوي، إلي ماعندو حتى ثقل وحتى قدرة على الاستمرار، فإن القوى الاجتماعية القديمة إلي حكمت البلاد أكثر من خمسين عام، هي إلي قاعدة تعيد التموقع، وتسيطر فعليا، بغض النظر عن كل مراسيم قيس سعيد ونواياه وبرامجو.
نحكي على قوى اجتماعية أساسا، برغم أن الغطاء سياسي. السرعة إلي اللوبيات القديمة قاعدة تسترجع بيها في المبادرة مثيرة فعلا للإعجاب. ناس تخدم. في نهاية الأمر، النتيجة الاستراتيجية الوحيدة المهمة، أن الي عملو قيس لحد الآن هو أنو فتحلها الطريق، وحدها قدام المرمى مباشرة، من غير حتى دفاع ينجم يمنعها من التسجيل.
في نهاية الأمر، وقت قيس ما يلقاش خير من بودربالة، فلأن ما بقالو من إمكانات كان إلي في نوع بودربالة. وبطبيعة الحال، الطبيعة تكره الفراغ. الباقي الكل حسب رأيي، مجرد فولكلور شعبوي رث، قشرة خفيفة برشة ما عندها حتى قدرة باش تستمر.
تنجم تخرج المراسيم الي تحب عليها، وتعمل اللجان الي تحب، وتعين الأشخاص الي تحب في المواقع الي تحب... موضوع القوى الاجتماعية موضوع آخر تماما ما تنجمش تغيرو لا بمرسوم ولا بتعيين ولا بخطاب !