لانتقادات التي طالت مغنّيا نشر كتابا حول مروره بالسجن، والحملة الدعائية التي رافقت تقديمه لهذا الكتاب، وحفل التوقيع الذي حضرته "وجوه المجتمع" مما لم يتسنّ لفيلسوف أو أديب أو عالم إجتماع أو مختص في أي علم من العلوم بتونس أبدا، منذ بدأت طباعة الكتب وتوقيعها، لا يدل على أزمة الكتاب. الكتاب ليس إلا أوراقا مصفوفة، لا قداسة له في حد ذاته. يمكن لسجين سابق في قضية مخدرات، أو لراقصة كاباريه، أو لنشال في وسائل النقل أن يصدر كتابا، أين المشكل؟
المشكل أنه لم يعد هناك جمهور للثقافة والإبداع والعلم، ومن ورائهما الجهد والتميز المستحق. لم يعد ذلك مقياسا لشيء اليوم. هذه هي الكارثة الحقيقية والحرب الصامتة على هذه البلاد ومستقبلها. فيما عدا ذلك، من حق الأغلبية التي لا تعطي اعتبارا للثقافة والعلم والجهد المستحق، أن تقرأ ما يمثلها. هذا أمر طبيعي جدا.
أنجح المجتهدين اليوم لا يطبع من كتابه سوى ألف نسخة في الحد الأقصى، تستغرق بعض السنوات لتنفذ من المكتبات. من سيشتري كتاب المغني لن يقرأه، لأن ما يبحث عنه ليس القراءة أصلا. سيكتفي بأن يقتنيه، كل المسألة بؤس مركب مع استثناء وحيد: أن الرجل يعتقد أن بإمكانه تحسين الانطباع الذي تركه سجنه في قضية مخدرات، وأن بإمكانه أن يحقق ذلك بالتحول إلى كاتب.
هذه نقطة الأمل الوحيدة التي يمكن احتسابها: لا زالت وضعية الكاتب مغرية للبعض، وقد تجعله أحيانا يحظى ببعض الإحترام. انتقادات الناس ربما نبعت هي الأخرى من نفس الفكرة: أن الكتابة فعل محترم. هذا أيضا مدعاة للأمل مهما كان ضئيلا.