ثمة مقاييس معروفة نفرقو بيها بين الدول، والعصابات. الدول مثلا، هي إلي يحكمها القانون. هي إلي تعامل المخالفين للقانون كمخالفين للقانون، وتحاسبهم حسب القانون. الدولة ماهوش من مهامها تصفية معارضيها، ولا الانتقام منهم، ولا إهانتهم وترهيب عايلاتهم، بل تطبيق القانون فحسب، نقطة إلى السطر.
والقانون وقت يتطبق، يتطبق بشفافية كاملة، لأن الدولة تبدا واثقة أنها هي نفسها ليست فوق المحاسبة إذا تخرق القانون. مثلا، الدولة ما تعتقلش الناس في الفجر، نهار سبت، ومن غير أذون قضائية، ومن غير ما تعطي معلومات للمحامين والعائلات، باش المعتقل ينجم يدافع على روحو، باستعمال حقوقو كمواطن، إلي يكفلها القانون. لأن المهم هي الحقيقة، خاطر من غير حقيقة ماثماش عدل. ومن غير عدل، ما ثماش دولة. فباحترام القوانين، الدولة تعطي شرعية لوجودها.
شفتو هاذم الكل؟ إلي يعمل عكسها يتسمى عصابة، مش دولة. يبقى أن العصابات تفرق، وبعضها يعطي قيمة للشرف، يعني بلغتنا احنا "الرجلة". حتى كيف يقرروا ينتقموا مثلا، فإنهم ينتقمو بوجه في الغالب واضح، باش توصل الرسالة. خاطر الرجلة هي أنك تتحمل مسؤوليتك، وما تخليش الاتهام يمشي لطرف بريء من العملية.
فبالترتيب يعني، الدولة، وبعد العصابة إلي تعطي شوية قيمة للشرف، وبعدهم الكل تجي العصابة إلي لا عندها لا دين، لا أخلاق، لا رجلة.
بطبيعة الحال، احنا اليوم في تونس عندنا دولة....
للقياس:
وقت سلطة تستعمل الخلط والتمويه على هدفها الأصلي والأساسي والوحيد، وهو تصفية معارضيها، فهذا يعني أنها ماعندهاش حدود. القانون بالنسبة ليها يجي من بعد. هذاكة علاش إلي يفهم الحاجة هذي، ويعرف السلطة هذي وين ماشية، يلزم يمشي مباشرة لفضح الهدف من الاعتقالات والمحاكمات، وهو تصفية المعارضين.
وقتها ماعادش مهم حتى شي آخر، لأن منبع الجريمة أصبح واضح، والتفاصيل الكل معمولة للتغطية على الهدف الأصلي للجريمة هذي. هذاكة علاه أول حاجة، وهذي بالمنطق السليم والبسيط، يلزم يكون تضامنو آلي مع كل ضحاياها، مهما تعمدت السلطة الخلط والتمويه، واختيار أسماء دون أخرى، من أجل إحداث الاضطراب في الحكم على تصرفها.
إذا تفهم هذا، تعرف بوضوح أن المهم ماهوش الأسماء، وإنما ما ينسب من أفعال لخصوم السلطة ومعارضيها. وتفهم أيضا أن القائمات تبقى مفتوحة ووقتية، حتى تضم كل من يعارض السلطة أو ينتقدها أو يرفضها، بغض النظر شنوة يكون اسمك، وعنوانك، ومهنتك، ونوع الموسيقى إلي تحبها.
هنا يلزم يتحول الصراع ضد السلطة هذي إلى صراع مبدئي: يقع معارضتها لأنها ظالمة، ولأن ما يحركها فقط هو الرغبة في البقاء، لا عدل ولا قانون ولا أي شيء آخر. الحكاية واضحة للي يحب يفهم. إلي يمشي يلوج في التفاصيل، هو مجرد غبي ينطلي عليه تمويه السلطة الظالمة.
متضامن مع كل معتقل لأسباب سياسية، بغض النظر على ما يوجد ولا يوجد في ملفه. ومتضامن مع كل من يستهدف سياسيا، حتى وقت القضية تتطرز باش ما تظهرش سياسية. متضامن مع كل مظلوم يدفع بسبب سلطة حمقاء ضريبة على تفكيرو، وعلى مبدؤو، وعلى كرامتو.
الملفات تفاصيل. المقياس هو ما تريده السلطة. خاطر السلطة بخلاف تصفية معارضيها للبقاء في الحكم، تعتبر هي أيضا أن الباقي الكل مجرد تفاصيل.
قانون الإرهاب
وقت تنقد الطريقة إلي تمت بيها الإيقافات نهاية الأسبوع، وتعتبر أنها لا تليق بدولة تحترم نفسها كدولة، يجيك شكون يقلك راهي تمت حسب القانون، والقانون هذا هو قانون الإرهاب (شوف قداه ضميرهم مرتاح) وانتوما صوتوا عليه. عاد حبيت نذكرهم أن القانون هذا تعمل في بدايات عهد التوافق بين النهضة والنداء في 2015، في سياق مزايدة، وأنا وأصدقائي في الحزب المعارض إلي كنت أمينو العام آنذاك، كنا رافضين هذا القانون، وعارفين أنو سيطلق أيدي الأجهزة لتعويم مفهوم الإرهاب، والسلطة لاتهام معارضيها وتطريز الملفات (نتفكر وقتها غازي الجريبي سيء الذكر شكى بيا على معنى القانون هذا بسبب تسجيل صوتي مسرب ومركب، حكيت فيه على رفض استعمال السلاح في الخلافات السياسية، وقتها قال ماداموا قال لا للسلاح، معناها ثمة سلاح. فايق راهو شبيك !).
ثانيا : راهو وقت تعارض ممارسات، ورغم أنها "تتم وفق قانون الإرهاب"، فإنو رفضك الأساسي هو لقانون الإرهاب هذا، لأنو ما يقاومش الإرهاب، بل ينجم يقاوم حتى إلي يقاوم الإرهاب، وقت يقع تطريز الأمور بطريقة معينة. قانون متخلف، وإلي صوتوا عليه هوما نواب ضيقي الأفق، باش ما نقولش حاجة أخرى. يعني مسؤوليتهم تبقى قائمة طالما وقع تطبيق القانون هذا لغير أهدافه الظاهرية.
ثالثا: قانون متخلف، تستعملو سلطة متخلفة، ليس للقضاء على الإرهاب، وإنما للقضاء على خصومها. الناس إلي تلوج على فتوى باش ضميرها يرتاح وتغمض عينيها على الإنتهاكات: والله لا تحشموها ! شوف هاك الإعلان العالمي لحقوق الإنسان إلي فرحانين بيه.