شاهدت البارحة مقتطفا من جلسة في الأمم المتحدة أخذ فيها مندوب الكيان الكلمة ، فقامت وفود عديدة بمغادرة القاعة احتجاجا على حرب الإبادة في غزة. ركزت الكاميرا على وزير خارجية السلطة الفلسطينية الذي بدا أنه يتساءل إن كان عليه "أيضا" المغادرة، كانت حركات يديه محرجة وهو يرتب أوراقه ثم يعيد ترتيبها، ثم لا يغادر.
هذا ما يمكن أن تصل إليه سلطة نصبها الإحتلال، ويطيل عمرها الإحتلال، ولا تجلس أو تقوم قبل أن تفكر إذا ما كان ذلك سيغضب الإحتلال. سلطة على نمط الحكومات التي تتسيّد علينا في أكثر من عشرين بلدا عربيا، ولم تقو أي منها على مساندة جنوب إفريقيا في إثارة الدعوى ضد إسرائيل بتهمة الإبادة.
فلسطين ليست قضية فلسطينية، ولا عربية، ولا إسلامية. فلسطين قضية تحرر إنساني لا يهتز لها إلا من عاش معركتها ضد الإستعمار والميز العنصري والإستغلال والإبادة، وعانى معاناتها وضحى تضحياتها. كيف للإمارات أو للسعودية أن يهتز لهما شعور مثلا؟ لا مبرر لغير موقف الخذلان أصلا.
في غزة ينشأ نمط جديد ليس للتحرر فقط، ولكن لما بعد التحرر. اليوم الموالي حقيقة هو العهد الموالي. عندما ستتحرر فلسطين، وهي متحررة ومنتصرة لا محالة، فلن يكون لأمثال سلطة رام الله الذين يكررون المشهد الرديء المهيمن عربيا منذ أزيد من خمسين عاما، أي مكان وأي دور. وعندما سيتعرض شعب لمظلمة، أو لخطر إبادة، ستكون دولة فلسطين الحرة من يدعمها وينافح عن مقاومتها وحقوقها.
نموذج جنوب إفريقيا نموذج ملهم، وكذلك نموذج غزة. عالم الغد الذي سينشأ لا محالة على أنقاض الأنظمة المتخاذلة هو مزيج من هذا النموذج الإنساني الحر: فلسطين و جنوب إفريقيا.