العقل الذي أنتج عبارة "طوفان الأقصى" عقل فريد. استعارة الطوفان لا تكاد تضاهيها في بلاغتها استعارة أخرى. كانت هناك بداية جديدة بعد الطوفان، فقد حملت المياه كل شيء فعلا وليس مجازا، وكان على البشرية أن تبدأ من جديد، وأن تعيد تأسيس كل شيء. ماذا يحدث منذ أربعة أشهر إذا لم يكن أمرا شبيها بالطوفان؟ عندما سينحسر الماء وتستوي، سنرى الأمور بالتأكيد بشكل أوضح.
تقع اليوم، بل منذ السابع المجيد، أشياء خارقة: إنهيار صورة الكيان كقوة عسكرية لا يقف أمامها شيء. إهتراء قوة الردع الأمريكية إلى درجة جعلت شعبا فقيرا إلا من إرادته يهاجم في كل ساعة بوارجها وحاملات طائراتها دون أن تستطيع له شيئا. نهاية إلتباس موقف الأنظمة العربية التي لم تعد قادرة حتى على النفاق والتجارة بفلسطين مرتمية بلا مواربة في صف الكيان. إكتشاف الشعوب في الغرب أن حكوماتها قادرة على التضحية بمصالحها من أجل الصهيونية.
إنكشاف العنصرية والنزعة الاستعمارية الدموية لدى الدول التي ظلت تبيعنا صورة الإنسانية منذ سبعين عاما. نشأة رأي عام شبابي مخترق للحدود والأديان والقوميات مناهض للصهيونية. كشف زيف البروبغندا الصهيونية والغربية التي ربطت باستمرار بين مناهضة الصهيونية واللاسامية. افتضاح حالة الهوان العربي العام. وصول أكبر الدول العربية لحافة الإفلاس.
تغيير مسالك التجارة العالمية جذريا. نشأة محور مساند للمقاومة على الساحة الديبلوماسية، وعودة الكفاح ضد العنصرية والإستعمار كخط في السياسة الدولية. وأخيرا توضح الدور الرئيسي للمحور الشيعي في دعم المقاومة الفلسطينية وإرباك إسرائيل وأمريكا وبقية الدول الإستعمارية التي تقف جميعها اليوم في صف إسرائيل وجرائمها ضد الإنسانية.
ما كان ذلك أو لجزء منه ليحصل لولا السابع المجيد. هذا جزء من عبقرية التسمية، وفرادة العقل الذي يقف خلفها، ونموذج عما يعد به أولئك الذين أطلقوه في المستقبل، ذات فجر عظيم. الإنتصار الإستراتيجي هو كل هذا. إن جزءا من عظمة ما يحصل أنه حصل، وأن ما يجري على الأرض بعد مائة وعشرين يوما من المعارك، برغم أهميته، ليس إلا جزءا من هذا الطوفان العظيم.