في بداية الصيف الماضي،بدا كل شيء في حياتي مشرقا رائعا يسير في الاتجاه الصحيح لدرجة مربكة!
نجح الاولاد بتفوق،أثبت تحاليل طبية أجريتها أن صحتي بخير ،بدت هنية منطلقة مقبلة على الحياة وكذا الوالد وإخوتي وكل الذين يحيطون بي.
نشرت لي جريدة عربية تصدر في لندن،مع الشكر والتنويه،غدا جيراني وأصدقائي لطفاء معي بشكل غير متوقع،بل إن حماتي أصرّت أن تستضيفني على طبق كسكسكي بالعلوش مصحوبا بقدح رايب وهذا يحصل معي لأول مرّة منذ زواجي.
أما المدام فقد شهدت أمام الاولاد ،أنني زوج رومانسي ومثالي وانها لو لم تتزوجني لذهبت حياتها سدى،وراحت تدللني وتلبي كل رغباتي لدرجة خلت معها أنني هارون الرشيد وليس العبد الله!
كان جليّا أن الحياة مصرّة أن تمنحني فرحا حقيقيا لم أعشه من قبل،فرحا كاملا صافيا لا يعكّره شيء!
لولا أنني كنت متوجسا من هذا الفرح الذي خبرته مرات عديدة من قبل وعرفت كم هو غادر ومخادع!
لولا يقيني أن الحياة ما أقبلت إلا أدبرت وما أعطت إلا أخذت وما صفت إلا لتتعكر!
عندما صارحت هنية بهذه الهواجس قطبت جبينها لبعض اللحظات واربدّ وجهها، وبعد لحظات من الصمت عقبت وعيناها متعلقتان بالمجهول: _ربّي يستر وليدي،نا خايفة كيفك،لخاطر الدنيا غدارة؛أما واش عندنا نعملو؟
ولم يفلح كل من أطلعتهم على مخاوفي أن يخففوا من توجسي،فقد كنت على يقين ان الموت يحوم حولي،وأن الحياة تهيئ لي ضربة قاصمة قاسية ستحرمني الفرح بقية العمر!
لذلك حين هاتفتني أختي ذات مساء حزين لتعلمني أن الوالدة لم تعد إلى المنزل منذ ساعتين وأنهم بحثوا عنها في كل المستشيفات ومراكز البوليس ولم يعثروا لها على أثر: صرخت صرخة أشبه بعواء ذئب جريح في ليل شتوي طويل : هنيّة ماتت،انا متأكد أنه حصل لها مكروه،وقفزت إلى السيارة لا ألوي على شيء!
لأكتشف أن توجسي كان في محلّه وأن الحياة قد عرفت كيف تنتقم لكل الفرح الذي منحته لي،وان الموت قد عرف كيف يختار بدقة عجيبة من يأخذ مني!
ألم أقل إن الفرح لئيم وغادر!