وسرعان ما أدركتُ أنّني "حصلْتْ" وأنّ نعيمة قد استطاعت أن توقع بي للمرة الالف، وأنّني إذا لم أتصرّف بسرعة فإن "طريحة" العادة والعوايد تنتظرني ومعها لعنات أبي وأبيها وشماتة المنصف ولدْ عمّي..
-نعيمة بِنْت عمّي.. بادرتها متذللا..
-اشنوة ولد عمي؟ أجابتني بنت الحرام، وعيناها تقولان الكثير
-تحبش نشريلك حلقوم ونخدملك الواجب متاع الحساب؟
- باهي الطيب ولد عمي أما ازربْ روحك وجيبلي من الفيلاج حُكّة "شامية غزالة" مع الحلقوم..
وأتركها ترعى الشويهات وأركب حماري وأنزل "للفيلاج" لأقتني الحلقوم والشامية لنعيمة بنت عمي عساها تتجاوز عن زلّتي السخيفة عندما سمحت لنفسي أن أتلمسها في غفلة منها، فلا تشتكيني لهنية!
وسرعان ما اكتشفت أنه ليس في جيبي من متاع الدنيا الاّ عشرون مليما!و كان عليّ أن أترجّى عم علي العطار الجربي أن يسجّل حُكّة الشامية وباكو الحلقوم في كرني كريدي العائلة! وألاّ يخبر أبي بذلك..
وأعود بالغنيمة لنعيمة بنت عمي، فتفتح علبة الشامية وتأتي عليها كلها دون أن تمنحني "حتى فتفوتة"، وتترك باكو الحلقوم.. "باش ناكلو في السهرية" ..
-مالا نتهنّى بنت عمي ماكش باش تقوّدي بيّا ليمّة؟ أسألها متوجسا..
-تهنّى ولد عمي، اما اخدملي تمارين غدوة الكلّ!
ونعود بشويهاتنا، وأسارع إلى ركن على الحصير وتأتيني نعيمة بكراساتها وكتبها، وأنجز لها كل واجباتها بخط جميل رائع، بل وأسطر لها العبارات الهامّة في نص القراءة.. وبعد أن اطمأنت نعيمة، الله لا تربّحها، أنني وفيت بوعدي، وبعد أن استعادت كراساتها، رفعت صوتها بالصراخ لتحضر هنية مسرعة..
- وشبيكي يا طفلة؟! تساءلت هنية فزعة..
-نسيت ما ڤلتش ليك اللي الطيب ولد عمي اليوم ونحنا سارحين بالنعجات، عملّي حاجة خايبة
وتسارع هنية إلى شلاكتها البلاستيك وتنهال عليّ ضربا وشتما وأنا أتوجع وأطلب الرحمة، بينما أخرجت نعيمة باكو الحلقوم وراحت تلتهمه بهدوء وشراهة.. ولما سألتها هنية عن مصدره أجابتها بشماتة:
- جابهولي الطيّب ولد عمي كريدي من عند الجربي باش ما نقوّدش بيه!