المشهد أمامي ميلودرامي يستحق منا "أن نندبهم حتى يبان العظم"، كما كانت تقول هنيّة!
مثل أي توريستيكات محترمين اخترت ركنا هادئا أمام أحد النزل واكتريت شمسية وكرسيا يصلح للتمدد والقراءة، وتعمدت أن تكون شمسيتي قريبة من توريستيكاية شقراء كانت ممدة على كرسيها تقرأ كتابا، طلبت من المدام وصفاء وشذا ان يتركنني في مكاني ويقصدن البحر، وكلي أمل أن "أستفرد" بالتوريستيكاية الشقراء، ولكن وبمجرد أن توكلت على الله وخاطبت التوريستيكاية، التي خمنت أنها ايطالية، بلغة ايطالية قحة:
Bella tunisia
إذا بعائلة تونسية من سبعة أفراد تحل بالمكان، وكما هو دأب مواطنينا الأعزاء فقد كانت العائلة محملة بثلاث قفاف وحصير ودلاعتين، وكانون فوقه براد تاي مشدود بالتلّ، العجوز كانت تلبس جبة دار فتلّي و"مڨرطة " شعرها بثلاث محارم، أما الشايب فقد كان يلبس شورطا غريبا يصل ركبتيه، وقد ترهل لحمه وبرزت عروقه، أما الزوجة التي خمنت أنها في الاربعين فقد كانت تلبس جبة وفوق رأسها خمار فوقه "سمبرير"، ولا تسل عما يلبسه الزوج وبقية المرافقين..
طبعا وضعوا كل أغراضهم على الكرسي المخصص للتمدد، وما أسرع ما بسطت الحصير التقليدية وما أسرع ما أُخرج ما في القفاق من خبز طابونة وشقالة مقرونة، وملاعق وكؤوس وحكة نفة للعجوز، وباكو أرتي للشايب، وما أسرع ما "بُرجت" الدلاعة وامتدت الايادي تلتهم المقرونة التهاما، وأقسم بالله ان التوريستيكاية كانت مثلي تتابع المشهد فاغرة فاها، وملامحها تشي بالتقزز والنفور!
حاولت ان أخفف من استيائها فخاطبتها مواسيا:
Et tunisien 3la Mouradillah!
طبعا لم تفهم التوريستيكاية عني، فقد عادت لكتابها دون أن ترد عليّ، فعدت بدوري إلى كتابي، وبعد لحظات شعرت بيد حانية تربت على كتفي، إنه جاري العجوز، جاءني ببرج دلاع أحمر قان لذيذ ومعه كأس شاي منعنع..
شكرته بامتنان وترشفّت كأس الشاي على مهل..