هل كان ذلك هو الحبّ؟

Photo

الحقيقة أنه لم يخطر ببالي وبالها أبدا أن نطرح مثل هذا السؤال! وحتى عندما كبرنا وذهب كلّ إلى حاله وودعتها الوداع الأخير أمام باب الحافلة التي كانت ستقلني إلى الجامعة، كان وداعنا بلا دموع، وبلا مشاعر استثنائية، احتضنتني قليلا، نظرت في عينيّ لبعض الوقت:

- انت تو كبرت، تنجّم تعمّل على روحك.. ردّدَتْ ذلك وهي تطمئن على مكاني في الحافلة، ثمّ غادرت عائدة إلى الدوّار دون أن تلتفت وراءها ودون أن تلوّح بيديها..

لقد اعتبرتني على الدوام طفلها وصديقها وابن عمها الذي تحرص كل الحرص أن يأكل جيدا، وان يتغطى جيدا في ليالي الشتاء الباردة وأن يواظب على دروسه وأن ينجح، ولم تكن تترك أحدا ولا هنيّة نفسها تداوي جراحي عندما أصاب بجروح نتيجة تسلقي لشجرة التفاح الماثلة أمام البيت، وكانت تتأكد بنفسها من كل كبيرة أو صغيرة تخصني، وكانت تصطحبني لحلاّق القرية وتنتظر خارج الدكان حتى يكمل مهمته، وتقاسمني كل ما تقع عليه يداها من أطايب الطعام والحلوى، وكانت تغضب عندما أطلب شيئا من هنية ولا أطلبه منها، حتى أن هنية نفسها كانت في كل مرة أحتاجها فيه إلى شيء إلا وطلبت من نعيمة أن تلبيه لي..

- نعيمة يعيش بنتي لوّجي على كتاب الطيب.. اغسليلو شعرو.. امشي معاه للحانوت.. خيطيلو القفلة..

وحتى عندما كانت تشتكيني لهنية نتيجة شقاوتي معها، كانت تنتظر حتى تشبعني أمي ضربا ثم تمسح دموعي بيديها وتضمني إليها حتى أرضى مذكرة إياي في كل مرة أن ما أفعله معها لا يمكن أن يمرّ دون عقاب!

والحقيقة أنه لا أنا ولا نعيمة ولا أحد من أهلي وأهلها تساءل مرّة واحدة عن ماهية العلاقة التي ربطت بيننا! بل أنهم في المقابل كانوا يعبرون في كل مرة عن استغرابهم عندما يرون أحدنا دون الآخر، فيسألونها:

-وينو الطيب؟ ويسألونني: ويني نعيمة؟

وعندما تحصلت على "السيزيام" من الضربة الأولى كانت تشارك في استقبال المهنئين وتزغرد، وحرصت أن تجلس بجانبي لتتقبل التهاني معي، ولا غرابة، فقد اعتبرت أن نجاحي هو تتويج لاهتمامها هي بي، وليس من حق أحد أن يفخر بنجاحي غيرها!

ويبقى السؤال: هل كان ما بيننا حبّا؟

الحقيقة أنه كان أكثر من ذلك بكثير، ما بيننا كان أكبر من اللغة ومن كل معجم العشق قديمه وحديثه!

Commentaires - تعليقات
Pas de commentaires - لا توجد تعليقات