قال لي المنصف ولد عمي وهو يركب حماره الاشهب ويدخن ربع سيجارة حلوزي، ويترشف قهوة فيلتر :
-ظاهرلي فيها باش تاكل بعضها ، ونايا باش نولي زعيم ونتعدى في التلفزة!
ولأن المنصف ولد عمي ينكشف عنه غطاء الغيب عندما يركب حماره الاشهب، لم أشأ أن أعانده، بل زممت شفتي، ودعوت الله أن يلطف بنا من شرّ نبوءته، فعلى ظهر حماره تنبأ بانقلاب المخلوع على بورقيبة كما تنبأ بفيضان وادي الزرود الذي جرف منزل خالتي برنية ، وتنبأ أيضا بسقوط الإتحاد السوفياتي،ورحيل صدام، والتسونامي!وأخشى أن يتسلطن يوما فوق حماره الأشهب فيتنبأ بنهاية العالم!
وكانت الوالدة تكرر أمامي باستمرار:
- المنصف ولد عمك مرفوع عليه الحجاب، خاصة كي يركب على البهيم الأشهب!
بعد أيام من النبوءة فر المخلوع وعمت الثورة البلاد، وتبين أن المنصف ولد عمي ساهم بحماس في انتفاضة حي التضامن التي أربكت السلطة وعجلت بسقوطها، من خلال اشعال العجلات المطاطية، والدعوة إلى التمرد ومحادفة البوليس بالطوب الذي جاء به خصيصا من قريتنا النائية!
وقد حرصت إحدى القنوات على محاورته بعد أن قدمه المذيع باعتباره أحد زعماء " ثورة الحرية والكرامة" :
- ما هي مطالبكم ليعود الهدوء إلى حي التضامن باعتباركم من زعماء الثورة.
تلقف المنصف ولد عمي الفرصة النادرة، فأخذ نفسا عميقا ومسّح على شعره المكشرد، كما يفعل كبار الساسة، وأجاب المذيع بكل ثقة :
- يحطوني معتمد، باش ندخل الماء والضوء ونعمل الكياس، وندبر خدمة للبطالة!
وقد ارتفعت شعبية المنصف ولد عمي بعد ظهوره في التلفزة إلى درجة أن المولدي ولد خالي لزهر الشيوعي قد صرح أمام الجميع في مقهى المحطة بأنه أي المنصف ولد عمي هو لاش فاليزا الثورة التونسية، ولكن خميس العياري الخوانجي الذي قضى عشرين سنة في سجون المخلوع حرص على ضم المنصف ولد عمي إلى حركته باعتباره يصلي أحيانا ويصوم!
وقد توصل المنصف ولد عمي إلى حل وسط بعبقريته الفطرية إذ انضم علنا لحزب حمة الهمامي وساند سرا حركة النهضة، ثم ترك الجميع لينضم إلى النداء قبيل الانتخابات الأخيرة!
وألف قصيدة من الشعر الشعبي في مدح الباجي يقول مطلعها:
" كل يوم والشعب يلاجي حتى بعث ربي ليه الباجي" ، لحنها له أشهر مزاودي في حي التضامن وما جاورها!ووجدت صدى وقبولا لم يحلم به المتنبي في عصره!
يوم أمس قابلت المنصف ولد عمي راكبا حماره الأشهب ويدخن سيجارته الحلوزي الأثيرة، ولم أشأ أن أستمع إلى نبوءته الجديدة، فالبلد لم تعد تتحمل نبوءات المنصف ولد عمي ، وربي يستر !