يوميات مدرس عربية في الكولاج(2)

Photo

وهو يرتقي الدرجات إلى القاعة رقم واحد وعشرين في أقصى الكولاج من ناحية الغرب، شعر المدرس بشيء من الإرهاق والدوار فألقى نظرة سريعة على الساحة الممتدة أمامه والتي كانت تعج بالتلاميذ وتمتم : ثلاثون سنة ، نعم ثلاثون سنة مرت ،إنها كفيلة أن تهدّ الجبال وأن تحبط العزائم .

توقف قليلا ليسترجع أنفاسه،ثم استأنف رحلة الصعود، وذكريات دافئة تنثال من أقصى الذاكرة فتحمله هنا وهناك مخترقة خط الزمن نزولا وصعودا ،وانقطع حبل تفكيره على صوت تلميذه يستأذنه أن يحمل عنه المحفظة الثقيلة فشكره ممتنّا وطلب منه ان يكتفي بحمل " الطلاسة والطباشير "وأن يسبقه للقاعة ويتأكد أن السبورة نظيفة ، فهو لا يبغض شيئا بغضه للسبورات التي يتركها زملاؤه وراءهم متسخة ممتلئة كتابة، مما يضطره إلى مسحها واستنشاق كمية لا بأس بها من غبار الطباشير.

دخل مدرس العربية الفصل فوقف له التلاميذ فتفقدهم لينبه على من ترك ميدعته مفتوحة أو سمح لشعره أن يطول أكثر مما يجب أو اختار " الركشة آخر القسم " على الجلوس أمام الأستاذ ،وبعد أن اطمأنّ كل تلميذ في مكانه طلب المدرس من تلاميذه استكمالا لحصص المراجعة أن يخرج كل واحد منهم معجمه للتدرب على كيفية البحث عن كلمات اختارها لهم وكتبها على السبورة.

وكانت المفاجأة تبين له أن لا أحد من تلاميذه يحفظ الألفباء أو تعرض إليها في أي مرحلة في الابتدائي! لم يغضب مدرس اللغة العربية، ولم يسمح لمزاجه أن يتعكّر بل أعاد كتابة كل حروف الألفباء على السبورة وطلب من تلاميذه تكرارها وراءه:

ألف، باء، تاء،ثاء،،،،

وهو يكرر الحروف مع تلاميذه للمرة الخامسة تذكر أن نعيمة بنت عمه كانت لثغاء تنطق السين ثاء،فضحك حتى دمعت عيناه وضحك معه تلاميذه.

Commentaires - تعليقات
Pas de commentaires - لا توجد تعليقات